الإثنين 13 ربيع الأول 1446هـ / 16 سبتمبر 2024م
     Sveriges
religiösa råd
المجلس السويدي
للشؤون الدينية     
الجمعة 30 يناير 2015

قيمتك الكبرى أيها المؤمن



الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسناوسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد بهوكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغالرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا منظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإنسان المؤمن برسالة السماء يعيش في هذه الحياة الدنيا حياة في ظلالرضى والطاعة لمن وهب لنا جميعا الحياة الطيبة وأساس هذه الحياة الطيبة تحريرللنفس من قيود المادة وأغلال الشهوات ثم تسبيحها في ملكوت الأرض وبعد هذه الحياة الأرضحياة الآخرة، فالله عز وجل يصف الحياة الدنيا بأنها ذات عمر قصير، ومتاع قليل، قالتعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾

القيمة الفعليّة والأصليّة في أن يقوم المؤمن والمؤمنة بالدّور الحضاريّوالإنسانيّ

والوجوديّ في إعمار الأرض بالشّيء النَّافع، ولن يتأتَّى ذلك إلا إذاخرج الإنسان من هذا السِّجن المادّيّ وانفتح على الحياة الأخرى، وعلى مواقع رضىالله تعالى وأوامره ونواهيه، وصراطه المستقيم الّذي خطَّه لعباده الّذين يرتفعونبأنفسهم إلى أسمى مراتب الفضيلة والكمال، عندما ينطلقون للعمل والجد واليقظة لحياةالآخرة والتزوّد لها من أين أيها المؤمن؟ من الحياة الطيبة،

هذا المقياس وهذا الأمل يثمرصلاحاً وخيراً وسلاماً يعمّ أبناءك وذريتكوالبيئة المحيطة بك .

تعريف دقيق للدنيا من خلال القرآن الكريم، دار لهو، ولعب، وزينة،وتفاخر، قال تعالى: ﴿اعْلَمُواأَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْوَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ِ ﴾ سورة الحديد: 20] هذاكلام رب العالمين، كلام خالق الأكوان .

فقيمتك الكبرى أيها المؤمن أن تفهم أبعاد وجودك الجسديّ والرّوحيّ،وما عليك من أمانة حفظ نفسك وتزكيتها، وفتح آفاق وعيها للأمور، صوناً لها منالسّقوط في سجون الملذّات والمظاهر، الّتي تحرمها من أصالتها ومن جذورك الطيبة ومنأجدادك، وتغيّب مظاهرالملذات هويَّتك  فيمسيرتك ورسالتك في الوجود.

إنّ الإيمانَ بخالق الوجود هواتصالُ هذا الكائنِ الإنسانيّ الصغيرِ،الضعيف الفاني، المحدود، بالأصل المطلقِ الأزليّ الباقي، الذي صدرَعنه هذاالوجودُ، مايقع أيها المؤمنون عند هذا الإتصال؟ ينطلقُ هذا الإنسانُ من حدود ذاتهالصغيرة، إلى رحابةِ الكون الكبير، مِن حدودِ قوته الهزلية، إلى عظمة الطاقاتالكونية المخبوءة، من حدود عمره القصير، إلى امتدادِ الآبدِي الذي لا يعلمُه إلااللهُ، هذا الاتصالُ يمنحُك السعادةَ الحقيقيةَ التي تَلْهَثُ وراءها  وتمنحن أسرتك الصغيرة الحياة المنبثقة من الوجود

نعم أيها المؤمن سعادةٌ عالية بقيمة الوجود وفرحٌ نفيسٌ، وأُنْسٌبالحياةِ، ، وهو كَسْبٌ لك ولوجودك لا يعدِلُه كسبٌ، وفقدانُه خسرانٌ لا يعدِلهخسرانٌ، وعبادةُ إلٍه واحدٍ ترفعُك عن العبوديةِ لسواه، فلا تذلّ لأحد، ولا تحنيرأسَك لغير الواحد القهار، فليس هناك إلا قوةٌ واحدةٌ، ومعبودٌ واحدٌ، ورزاق واحد وعندئذٍتزول مِن حياتك المصلحةُ الشخصية والهوى ليحلّ محلَّها الشريعةُ والعدلُ .

واليوم كما نرى ونلمس ونعاني في كلّ واقعنا جنوحاً نحو الانغماس فيالمظاهر، والتَّركيز على بلوغ المصالح والشَّهوات على حساب الإعداد للحياة الآخرة،بما يستلزم لها من إخلاص ووعي ومسؤوليَّة وتقوى وبثّ لقيم الخيروالجمال والكمال،إذ قلَّما نقيم وزناً واعتباراً لحسابات الله تعالى في معاملاتنا الدّنيويَّةوعلاقاتنا الاجتماعيّة والإنسانيَّة، فهمُّ الكثيرين الوصول إلى الشّهرة والمنصبوالجاه والرّبح السّريع، وإثارة الغيبة والفتنة وتخريب العلاقات، وهو ما يتنافى ،وبكلّ وضوح مع أصالتك الهويّتك الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة.

من رجونَا لديهِ دُنيَا وصلناهُ       

وَقُلنا لهُ: عليكَ السّلامُ

ما نُبالي أمِنْ حَرَامٍ جَمَعْنَا،         

أم حلالٍ ولا يحلُّ الحرامُ

هَمُّنا اللّهوُ، والتّكاثُرُ في المَالِ     

وَهذا البِنَاءُ وَالخُدّامُ

كَيفَ نَبتاعُ فانيَ العيشِ بالدّائمِ     

أينَ العقولُ والأحلامُ

الحياة الآخرة كما وصفها القرآن الكريم، هي الحياة الحقيقية:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَادَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾ سورة الأنفال الآية: 24]

الحياة التي تليق بنا، الحياة التي تليق بالإنسان المخلوق ، الحياة التيأرادها الله لنا، الحياة التي خلقنا الله من أجلها، الحياة الأبدية، الحياة التييسعد فيها الإنسان بقرب الواحد الديان، هي الحياة الحقيقية:﴿ وَإِنَّالدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌوَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}[الأنعام: 32]. وقال اللهتعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌوَأَبْقَى (17)} [الأعلى: 16 - 17].

منْ رجا خافَ ومَنْ خافَ رَجَا

لَيْسَ يرجُو اللهَ إِلاَّ خائفٌ

عَجَباً مِمَّن نجَا كَيفَ نَجَا

قَلَّمَا ينجُو امرُوءٌ منْ فتْنَة ٍ

اللهم لاخير إلا خير الآخرة

عباد الله ولا يمكن أن ننتمي إلى روح الإسلام وأصالته، ونحن نستغرق فيعالم الماديّات والمظاهر، والّتي تجعلنا نعيش في كهوف الظّلام والانحراف،والفجورفي الفكر والعمل ،وتحوّلنا بالتّالي إلى عبيد.

أنت أيها المؤمن الأعلى إدراكاً وتصوراً لحقيقة الوجود،

وأنت أيهاالطيب الأعلى تصوراً للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والأحداث والأشياءوالأشخاص

وأنت أيهاالمؤمن الأصيل الأعلى ضميراً وشعوراً وخلقاً وسلوكاً فإن عقيدتك في الله ذيالأسماء الحسنى والصفات المثلى، هي بذاتها موحية بالرفعة والنظافة والطهارة والعفةوالتقوى، والعمل الصالح

وأنت أيهاالطاهر الأعلى شريعة ونظاماً،

و لن تتمكن منأن تذوق هذا الاستعلاء على ما في الأرض من شهوات، والتصورات الباطلة، حتى تعلو عنالأرض نفسها وقيودها وشهواتها،وندائها، ولذائذها الموهومة

إنه علو المؤمن عن الأرض، اسمه العزة الإيمانية. والعزة تستقر في القلب قبل أن يكون لها في مظهر دنياك

فتستعلي بها على كل أسباب الذلة والهوان. مستكين تشتكى جور الزمان

قد أصبت الذل من هجر القران

قد هبطت الأرض طهرا كالندى

بالكتاب الحي أمسكت يدا

فإلام العيش في الترب ارحلا 

اصعدن فوق السماوات العلى

هكذا المؤمن الحق لا يلتصق بالأرض يوماً، ولا يكون في المؤخرة يوماً؛ لأنهيشعر بما هو فيه من مسؤولية ورسالة ووصاية على هذه البشرية في مشارق الأرض ومغاربها،وتبعة الخلافة في هذه الأرض للقطعان الضالة، وهدايتها إلى الدين القيم، والطريقالسوي. فلا رخاوة،ولا كسل ولا خمول بل إرادة تتغير.يقوم بالواجب وبرسالةالمحمدية ويجتهد ويصبر ويصابر حتى يأتيه اليقين

مِنَ الناسِ مَيتٌ وَهوَ حَيٌّ بِذِكرِهِ ...

وَحَيٌّ سَليمٌ وَهوَ في الناسِ مَيِّتُ

فَأَمّا الَّذي قَد ماتَ وَالذِكرُ ناشِرٌ ...

فَمَيتٌ لَهُ دينٌ بِهِ الفَضلُ يُنعَتُ

وَأَمّاالَّذي يَمشي وَقَد ماتَ ذِكرُهُ ...

فَأَحمَقُأَفنى دينَهُ وَهوَ أَموَتُ