
كيف يصبح هوى النفس الها يعبد من دون الله؟

المقدمة
أخطر ما يعبد من دون الله هو ما تهواه انفسنا وتشتهيه، بغض النظر عن ميزان الشرع، وهل ما تهواه انفسنا يوافق الكتاب والسنة ام يخالفهما، قال تعالى: ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا ).قال الطبري في تفسيرها: ( أَرَأَيْتَ ) يا محمد ( مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ ) شهوته التي يهواها وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن منه رمى به، وأخذ الآخر يعبده، فكان معبوده وإلهه ما يتخيره لنفسه.وقال ابن كثير: أي : مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه ، كان دينه ومذهبه ، كما قال تعالى : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ). [ فاطر : 8 ]


فانتبهوا معي اخواني اخواتي: بخصوص الأمور التي نشتهيها، او نختارها ونحبها، او تستحسنها عقولنا وتميل اليها نفوسنا، فقد يكون فيها او في بعضها عبادة للهوى من دون الله، وتفضيل ما نشرعه لأنفسنا على ما شرعه الله لنا. سواء كان هذا الحب وهذا الميل وهذا الإختيار والتّشهي في عالم الأشياء أو عالم الأشخاص أو عالم المبادئ والافكار، وحتى التقاليد والأعراف وما شئت من شيء.
والعاصم من كل هذا، أن تعرض ما رأيته وما اشتهيته وما ملت إليه واستحسنته او اخترته، او حتى رآه لك غيرك واشتهاه وأراده لك واستحسنه واختاره لك، أن تعرض كل ذلك على كتاب الله وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو تستعين بمن هو أفقه وأعلم حتى يطمئنك انك غير مخالف لهذين الأصلين العظيمين وما تؤطره حدودهما ومقاصدهما الحقة.
وللأسف الشديد، فإن كثيرا من الناس، حتى المتدينين منهم قليلي الفقه والعلم والتقوى، قد يتعصبون لأمر ويتبنونه ويميلون اليه ويحبونه ويختارونه ويتحمسون لنشره وتوزيعه، سواء في عالم الأشياء أو الأشخاص أو المبادئ والأفكار والأعراف والتّقاليد وحتى ما يسمى أحيانا "حكم" ومقولات خالدة ونحو ذلك، بسبب فقدان الميزان وما به يكون الترجيح والاختيار.
فالمتعامل مع وسائط التّواصل الإجتماعي مثلا، من فايسبوك وتيكتوك وانستغرام ونحو ذلك، ولطابعها التجاري والرّبحي الإقتصادي، فانها في الغالب الأعم تسير مع هوى المستعمل وما يشتهيه، حتى يدمن اكثر ويستهلك اكثر ما يرغبون في ترويجه، فان كان من أهل المُتعة الجنسية اغرقوه بما يشتهيه، وان كانت المتتبعة مهمومة بالوحم او الحمل او الوضع او الرضاع والتعامل مع الطفل ونحو ذلك اغرقوها بما تريد، ومن كانت تميل الى تحميل الرجل اكثر المسؤلية في مختلف الأوضاع الأُسرية جاؤوها بما تشتهيه من اللافتات و"الحكم" والمقاطع ونحو ذلك، وقل مثل ذلك فيمن يرى في المرأة معدن المشكلات والآفات فانهم يغدقون عليه ما تهواه نفسه وتشتهيه، وقل مثل ذلك فيمن تعاني من أثر الطلاق فيغرقونها حتى بما هو شاذ من حفلات الطلاق ونحو ذلك، فيبتلع المسكين والمسكينة الطّعم في يسر وسهولة ويتحمس لنشر ذلك وترويجه وهو يحسب انه الحق والصواب وانه يحسن صنعا، فالحل اخواني اخواني في تمحيص النية واخلاصها والتعبد لله وحده مستحضرين الحصر الذي لا يدخل معه شيء حتى هوى النفوس في قول ربنا " إياك نعبد وإياك نستعين" ثم محبة العلم الشرعي والتفقه في الدّين والتمكن من ميزان القبول والرفض، او استشارة الافقه والاعلم حتى يظل قطار تديننا على السكة ونظل على الصراط المستقيم، ونومن ان هذا المنهج فريضة ربانية مرتبطة مباشرة بالايمان واصل الدين كما في قوله تعالى:﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[ سورة النساء: 65]. إنّه التسليم للشرع ميزانا حاكما وضابطا بيننا وبين الناس وأيضا بيننا وبين أنفسنا وما تشتهيه وتختاره حتى لا نعبد ذواتنا واشخاصنا واهواءنا ونتخذها اربابا من دون الله، حسب اننا من اهل التّوحيد والطاعة والإسلام والايمان والالتزام.
الدكتور محمد بولوز
