بيانٌ من المجلسِ السويديِّ للشؤونِ الدينيةِ حول أضحية عيد الأضحى
المقدمة
قولُ اللهُ سبحانَهُ و تعالىٰ: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج ٣٢)ب
مع حلولِ شهرِ ذي الحجةِ المبارك، و قربِ أداءِ شعيرةِ الأُضحيةِ، يودُّ المجلسُ السويديُّ للشؤونِ الدّينيةِ أن يوضحَ للمسلمينَ بعضَ القضايا المتعلقةِ بالأُضحيةِ:
الحِكمةُ من مشروعيةِ الأضحيةِ:
في الأضحيةِ مقاصد عديدةٌ منها شُكرُ اللهِ تعالىٰ على نعمةِ الحياةِ، و كذلكَ إحياءُ سُنَّةِ إبراهيمَ عليه السلامُ حينَ أمَرَه اللهُ عزَّ وجلَّ بذَبحِ الفداءِ عن ولدِه إسماعيلَ عليهِ السلامُ في يومِ النّحرِ، قال تعالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الصافات 107 ، وأن يتذكَّرَ المؤمنُ أنَّ صبرَ إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السلامُ وإيثارَهما طاعةَ اللهِ ومحبتَه على محبةِ النفسِ والولدِ كانا سببَ الفداءِ ورفعَ البلاءِ، فإذا تذكّرَ المؤمنُ ذلك اقتدى بهما في الصبرِ على طاعةِ اللهِ، وتقديمِ محبتِه سبحانهُ على هوى النفسِ و رغباتِها. و في الأضحية وسيلةٌ للتوسعةِ على النفسِ وأهلِ البيتِ، فيجوزُ للمُضَحِّي أن يأكلَ من أضحيتِه ويدَّخِرَ منها.
ومن أهدافِ الأضحيةِ إكرامُ الجارِ و إكرامُ الضيفِ، والتصدُّقُ على الفقراءِ والمحتاجينَ، و مواساتُهم في حاجتِهم، و ما في ذلكَ من تقويةِ أواصرِ التوادُدِ والأُلفةِ بين الناسِ و تعزيزِ التماسُكِ المجتمعيِّ، وهذه كلُّها مظاهِرُ للفرحِ والسرورِ بما أنعمَ اللهُ به على الإنسانِ من هذه النِّعَم.. قال تعالى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير } الحج 28 .
حُكمُها:
الأضحيةُ شعيرةٌ من شعائرِ الاسلامِ، وهي سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهذا قولُ جمهورِ الفقهاءِ، فعن أنس بن مالك رضي اللهُ عنه قال: "ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا". رواه البخاري 5565 ومسلم 1966.
وقتها:
يبدأُ وقتُ الأضحيةِ بعدَ صلاةِ العيدِ ، و يستمرُّ ثلاثةَ أو أربعةَ أيام ( بحسبِ المذهبِ الفقهيِّ ) بمعنى أنه يشملُ يومَ العيدِ (من بعدِ صلاةِ العيدِ) واليومين الأوَّلينِ مِن أيّامِ التَّشريقِ أو إلى آخرِ أيامِ التشريقِ الثلاثة . عَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال:|" إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ " رواه البخاري 5560 ومسلم 1961 .
شروطها:
• القدرة وذلك بأن يكون صاحبها قادرا على ثمنها .
• أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ.
• أن تكون في الوقت المحدد شرعا
• أن تكون خالية من العيوب.
كيفيَّتُها:
الأصلُ أن يذبحَ المضحّي بنفسِه، أو أن يشهدَ أُضحيتَه في البلدِ الذي يقيمُ فيهِ ، "عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحَرَ ثلاثًا وسِتِّينَ بيده، ثم أعطى عليًّا فنَحَرَ ما غَبَرَ" من حديث مسلم 1218 ، و لكن تجوزُ الوكالةُ في شراءِ و ذبحِ الأضحيةِ في بلدٍ آخر، أي أنه يجوزُ إرسالُ قيمةِ الأضحيةِ إلى بلدٍ آخر وتوكيلُ أحدِ المسلمينَ الثقاة أو توكيلُ جمعيةٍ أو مؤسسةٍ خيريةٍ يقومُ عليها مسلمونَ من أهلِ الثقةِ والأمانةِ ليُذبَح عنه ، شرطَ أن يكونَ التوكيلُ واضحًا و محددًا بأن هذه أضحيةٌ تُذبَحُ عن الموكلِ و أنها ليست صدقةً من الصدقاتِ.
ولمّا كانت مملكة السويد تمنع الذبح وتعاقب عليه فإن المجلس السويدي للشؤون الدينية يرى أنه من الجائز إرسال قيمة الأضحية إلى الأهل في البلد الأم وتوكيل أحدهم ليذبح عن المضحّي شريطة أن يذكر الوكيل أنه يذبح عن الشخص الذي وكله، امتثالا لأمر الله تعالى الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر 2، ولأن الذبحَ من شعائرِ اللهِ تعالى فلو تركَها الناسُ إلى الصدقةِ فقط لتعطَّلتْ تلكَ الشعيرةُ و لاندثرَ ما فيها من مقاصدَ و حِكَمٍ و غاياتٍ كما أسلفنا آنفًا.
أما دفع المال لفقير من أجل أن يضحي، فإن كان المقصود من أجل أن يضحي عن صاحب المال فهذا توكيل في الأضحية وهو جائز، أما إن كان المقصود من أجل أن يضحي الفقير عن نفسه فهذه صدقة من صاحب المال يكتب له فيها أجر الصدقة وليست أضحية عنه فلا يكتب له أجر الأضحية.
فالأضحية ليست صدقة وإنما هي قربة الى الله بذبحها في أيام الذبح وليس المراد منها دفع النقود .والتصدق مفتوح في كل أيام السنة فلا نغير الشريعة ولا نغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالأراء لا تدخل في الأمور الشرعية، ولأن الأضحيةَ عبادةٌ تؤدّىٰ بوقتٍ محددٍ، فتقديمُها على ما عداها من الصدقاتِ أولىٰ، ففي الإمكانِ أن يُتصَدَّقَ في سائرِ العامِ و أما الأضحيةُ فلا تُؤدّىٰ إلا في وقتٍ محددٍ معلومٍ في هذه الأيامِ تحديدًا. والله تعالى أعلم.
نسالُ اللهَ تعالىٰ أن يُعيدَ علينا العيدَ و المسلمينَ في أحسنِ حالٍ و أن يتقبلَ منا ومنكم صالحَ الأعمالِ، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
المجلسُ السويديُّ للشؤونِ الدينيةِ
لجنة إبداء الرأي الشرعي