بِناء واعْمَار الأرْض بَيْن أيْدينا
المقدمة
الحَمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على سيد المُرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد،
مُقدّمة
بناء على المُشاركة في مؤتمر أزهر البقاع تحث عنوان: دَوْر التّنْمِيّة المُسْتدامة في إعِمارِ وبناءِ المُجْتمعات/سُبل تفْعيلها وتطبيقِها من مَنْظور أخْلاقي إنْساني، والذي عقد بحول الله وقوته في الفترة 28 ـــ 29 يونيو/حزيران 2022 ملادية بجمهورية لبنان ، ارتأينا أن نشارك في هذا المؤتمر بموضوع : بِناء واعْمَار الأرْض بَيْن أيْدينا وهو موضوع بالغ التّوهج في الوقت الراهن.
في البداية أقول مَنْ لا يشْكر النّاس لا يشْكر الله، وفي هذا السّياق يكون لِزاما عليّ أن أتقدم بخالص الشّكر والتّقدير والعِرفان إلى الهيئة المُنظمة لهذا المؤتمر في دولة لبنان بلد الأرز، بلد لقاء الحضارات، شعار الشّجرة المُباركة بشموخها وصمودها. فتحياتي وسلامي إلى جميع أبناء هذا الوطن الكبير بتعاضدهم وبولائهم لأرض الرسالة والمحبة والتعايش.
وكذلك الشكر والإمتنان موصول إلى فضيلة الدّكتور الشيخ علي محمد الغزاوي مدير مُؤسسات أزهر البقاع وسعادة الدّكتور أشرف عبد العزيز الأمين العام للإتحاد العربي للتّنمية المُستدامة والبيئة وجميع الوفد المرافق له، وإلى سَعادة الدّكتور وليد عبد المُنعم شتا مدير إدارة المراسيم والعلاقات الخارجية بالإتحاد، وإلى جميع السّاهرين على تنظيم هذا المُؤتمر الذي يسعى إلى إحياء ثقافة التّنمية المُستدامة تحت شعار: دَوْر التّنْمِيّة المُسْتدامة في إعِمارِ وبناءِ المُجْتمعات/سُبل تفْعيلها وتطبيقِها من مَنْظور أخْلاقي إنْساني.
توطئة
استضافت مدينة استوكهولم عاصمة مملكة السّويد هذه السنة يوم 5 يونيو/حزيران 2022 احتفالات باليوم العالمي للبيئة والتّنمية المُستدامة لعام 2022 بالشراكة مع برنامج الأمم المتّحدة للبيئة. و يُراد منه لفت انتباه الرأي العام العالمي لمَشاكل التّنمية الإنسانية والحاجة إلى تعزيز التّعاون الدّولي والتّضامن الشّعبي. مِنصّة عَمليّة للتّشجيع وطرح المبادئ التّوجيهية لحِماية وتحسين البيئة البشرية ومُعالجة ومنع الإخلال بها.
وفي هذا الإطار، عُقدت عِدة مُؤتمرات دولية، مُنتديات، ورشات وغيرها من اللّقاءات والنّدوات ، ذات أهمية مُمَيزة من بينها :حول بيئة الإنسان، حول البيئة والتنمية، حول التنمية المُستدامة، و لا نملك سوى أرض واحدة. وغيرها من المواضيع الحياتية ذات صِبغة تنموية وبيئية. ومن بين هذه التظاهرات الدولية نذكر منها على سبيل المثال :
• مؤتمر استوكهولم في العاصمة السّويدية في 15 حزيران من عام 1972،
• مؤتمر ريودي جانيرو في العاصمة البرازيلية في الفترة ما بين 3-14 حزيران لعام 1992
• المؤتمر البيئي الذي عقد في مدينة كيوتو اليابانية أواخر 1997م
• مؤتمر بون في عام 2001م بألمانيا
• مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مدينة مراكش في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016
• مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة جنوب إفريقيا في مدينة جوهانسبرج عام2002م
• مؤتمر البيئة عام 2005 في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة
• مؤتمر التنمية المستدامة في القاهرة مارس 2022
• مؤتمر لا نملك سوى أرض واحدة في استوكهولم يونيو 2022.
في أعقاب هذه المُؤتمرات والتّظاهرات الغنية بِفَقراتِها، زاد الوعي العالمي بالقضايا البيئية والتنمية الإنسانية المُستدامة وسُبل المُحافظة على الكوكب الأزرق، زيادة مشهودة بقدر ما اتسع نطاق تبني توصيات واجراءات قانونية، وتبنّي القيم الخضراء وإلى إعادة النظر في علاقة الإنسان بالأرض وإعمارها، والحاجة إلى تعزيز التّعاون الدّولي واستيعاب العلاقة بين الإنسان ومُحيطه الحيوي الذي يعيش فيه ويُمارس نشاطاته الحياتية.
ولا يخفى على أحد، أن التّقدم العِلمي والتكنولوجي والمعلومات والإتصالات تُساهم بقُوة وايجابية على إتاحة حُلول مُبتكرة للتّحدّيات في مجال التّنمية الإنسانية المُستدامة، والتي تضع الإنسان في صُلب الموضوع، خاصة في مجالات النّمو الإقتصادي والقدرة على المُنافسة والحصول على المعلومات والمعارف، من أجل الحد من البطالة، الفقر، العوز، الأميّة، تدنيّ مُستوى التربية والتعليم، التلوث البيئي، وضُعف المُشاركة السّياسية، إضافة إلى تنامي الصّراعات الطائفية والنّزاعات المذهبية.
رسالة الإنسانية
كلمة قوية وواسعة ذات مشروع رسالي هادف كبير يتفاعل فيه الإنسان مع وجوده المعنوي والمادي بمعادلة التَّأثير والتَّأثُر فوق الأرض. إنها وظيفة سامية ومسؤولية وتكليف، مع ما يقتضيه ذلك من الإعتماد على الأداء المُؤسسي ومُواكبة التنمية الإقتصادية والإجتماعية التي تشهدها المُجتمعات عبر العالم، رغم ما يعترضها من صعوبات أحيانا، وما تُعانيه من اختلالات مرحلية أحيانا بسبب صُعوبات كثيرة، من بينها ضُعف الأداء الإداري، وقلة الكفاءة والإبتكار، وافتقادها لقواعد الحكامة المُؤسسية الصّادقة. و إن من المُؤشرات الدَّالة على وجود الإنسان الرّسالي أن يرقى فكره وفهمه إلى درجة التّعامل بايجابية والمُشاركة في قضايا التّنمِية بروح المسؤولية . فلا اتكالية ولا تقاعس ولا كسل وإنما عمل مُستمر ودَؤوب.
إنه برغم الجهود المبذولة عالميا، ومُحاولات الإصلاح والتحديث، فإن مُؤسسات التنمية الإنسانية لَنْ تبلغ المُستوى المنشود من النّجاعة والفعّالية، مَا لم يتم تغيير العقليات، وإجراء قطيعة مع بعض السُلوكات والمُمارسات المُشينة، التي تضرّ وتسيء لكوكبنا . وهنا يحضرني قول سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه لمالك الأشتر لمـّا ولاّه مصر (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعِمارة، ومن طَلب الخراج لغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد). المرجع : نهج البلاغة
صَون كرامة الإنسان وحقوقه
ومن أجل أن تتحقّق التّنمية الإنسانية المُستدامة على الأرض، لا بدّ لنا من أن نركّز على القضيّة الأساسيّة، وهي صَون كرامة الإنسان وحُقوقه، بغض النظر عن شخصه أو معتقداته، باعتبارها محورا رئيسيا في جميع الدّيانات السّماوية. وكما جاء في سورة الإسراء الآية 70 (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). وذلك من خلال تكريس قيم العدالة والمساواة والديمقراطية. فوجود الإنسان على كوكب الأرض يستمد قوته وعظمته من حقيقة واحدة هي: أن الكرامة أساس الإنسانية.
وللأسف الشّديد، فالفجْوة تظل قائمة ما بين النُّصوص النظرية والمواثيق الأممية وبين الواقع المُعاش من جهة أخرى، مما أدى أن مفهوم الكرامة يكشف عن الأزمة الأنتروبولوجيّة في المُجتماعات الإنسانية. الكرامة خاصّيّة بشريّة جوهريّة لا تُمحى ولا تُضاهى، هي حقّ أساسي وأساس كلّ الحقوق الأخرى. فكرامة الإنسان الذي يعيش في الغرب تتجلى في ظلّ رعاية تامّة وحماية كاملة من مُؤسّسات الدّولة، وتحت ظلّ دستور سيّد وقانون عادل، يجعله يُشارك في صناعة حياته، وصون حقوقه والدفاع عن مُستقبله ومستقبل الأجيال القادمة.
الإرتقاء بالخطاب التّنموي
إن التشاركيّة والفاعليّة المُجتمعيّة تأتّى من حصيلة عمل قنوات كثيرة ومُختلفة، يُشارك الأفراد والجماعات فيها في صناعة التّغيير وفي تَبنيّ القيّم المُجتمعيّة والحقوق الدّستوريّة، من خلال هيئات حُكومية، ومُؤسّسات المُجتمع المدني والدّيني في توظيف معارفهم وقُدراتهم من أجل الإرتقاء بالخطاب الثقافي التّنموي. فعند الحديث عن الخطاب للتّنموي نجد أنفسنا أمام إشكالاليات المعرفية والتربوية التي تستدعي التصحيح ومُعالجة مسار الخطابات التّنموية المُتكررة مع واقع المُمارسات الجارية، أي النظرية والممارسة، مما يجعل الخطاب التّنموي أسير التّحديات والعوائق والأوضاع المُجتمعية...
فالعمل التّشاركي المُجتمعي هو السّبيل إلى تحقيق وتحسين جودة الحياة والإزدهار والسلام العالمي المنشود، بما يخدم مصلحته ويُقوي جبهته الدّاخلية المُتمثلة في التوعية الشّعبية وتوطيد المُشاركة السّياسية. وفي هذا السّياق ندعو الفاعلين التنمويين إلى أن يُساهموا في خِدمة الدّيمقراطية التّشاركية ذات البُعد الإنساني من أجل تحقيق طموحات البشرية المُتعلقة بمستقبل كوكبنا الأزرق. فاليوم أصبح من الضّروري انخراط جميع المُكونات الفاعلة في المجتمعات للقيام بعمل تنسيقي وتكميلي من أجل استيعاب هذه التّحولات وكسب رهان التّنمية. ولا يُمكن تصوّر تنمية بدون ديمقراطية تشاركيّة التي تسعى إلى الإرتقاء وتحسين مسار العملية التّنمية في جو يسوده التعاون والحوار البناء.
إن المُشاركة وابداء الرأي في مثل هذه المُؤتمرات والتّظاهُرات الثقافية التي تدور محاورها حول مواضيع التّنمية واعمار الأرض والبناء، تُشجّع على إفراز مُبادرات وتوصيات ذات البُعد اجتماعي على الصعيد الإقليمي أو الدولي. لذا ندعو من هذا المُؤتمر كل الفاعلين التنمويين إلى الإجتهاد والتشاور والبحث عن القواسم المُشتركة التي تجْمعُنا، من أجل الرّقي بالخطاب التنموي الفاعل.
الإعمار والبناء على كوكب الأرض يكون بالحفاظ على ثرواتها ومقدراتها ماديا ومعنويا
الإنسان ينتمي إلى هذه الأرض وأن تكوينه البيولوجي من نفس عناصر الأرض ومُكوناتها وغذائها، فمسؤولية الإنسان في هذه الدّار هي الإعمار والبناء والتّنمية والتملّك واستخلاف والتّمتع بخيراتها من الغرس والزّرع والحرث. وكما جاء في القرآن الكريم:(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) سورة هود 61. إعمار الأرض يتطلب من الإنسان أن يفكّر ويبحث ويسعى وينتج، ويستفيد من منابع الجود والكرم من باطنها وظاهرها. الأرض مُستودع وخزان للخَيرات، وعلى البشرية أن تسْتصلحها وتستعمرها لتستخرج تلك الخيرات، وتمشي في مناكبها وتنعم بموارِدها الوافرة والطبيعية، دون إهدار أو إسراف.
فخلافة الإنسان على سطع هذا الكوكب الأزق يُحدد دوره و يتحدد من خلالها مسؤولياته، والتّكليف يدل على أن كل فرد مسؤول عما يقوم به، ومن ثمَّ فإن عليه القيام بحق هذا الإسْتخلاف المنوط به. فالإستخلاف أمانة يجب أداؤها ويجب إدارة هذه الأمانة بما يحقق المقاصد الشرعية الخمس وهي: المحافظة على الدين، وعلى النفس، والنسل، والعقل، والمال.
بناء واعمار الأرض بين أيدينا
كوكب الأرض، مكان إقامتنا، وموطن البشرية، وهو الثالث من الشمس، غلافه الجوي يحتوي على الأكسجين، تُغطي المياه ما يقرب من 71 في المائة من سطحه، ومُعظمها في المحيطات. حوالي خُمس الغلاف الجوي للأرض يتكون من الأكسجين الذي تنتجه النّباتات.
اليوم، البشرية تُدرك أنها تعيش على كوكب مُهدّد بالمخاطر والتّحدّيات، فنحن بحاجة إلى مسار وبرنامج تعديل أسلوب حياتنا بسلوكيات راشدة من أجل الحفاظ على الموارد وتوفير الطاقة إلى حماية البيئة وتقليل أحجام مدافن النّفايات، ولتعزيز الإنسجام مع الطبيعة والأرض لتحقيق توازن عادل بين الإحتياجات الإقتصادية والإجتماعية للأجيال البشرية الحاضرة والمُقبلة. كما أن مصطلح (الأرض الأم) أو (يوم الأرض) يعكس العلاقة بين الكوكب ونُظمه البيئية والإنسان الذي يتم الإحتفال به سنويا يوم 22 أبريل/ نيسان من كل عام. وهو إقرار وإعتراف بمسْؤولياتنا البيئية. فالتأثير السِّلبي لبيئة الأرض، راجع لغياب المسؤولية الفردية والمُراقبة المُستديمة للأجهزة المُختصة. وكما جاء في الأثر المَقُولة المشهورة لعُثمان ابن عفان رضي الله عنه: (إنّ الله يَزعُ بالسّلْطان مَا لا يَزع بالقُرآن).
التّوعية التنموية والتوجيه يبدأ من الأسرة عبر قنوات العِلم والمعرفة ووسائل الإعلام المُختلفة والتأطير والدورات التربوية والعلمية، تهدف كلها إلى تنمية المَلَكَة الفِكرية في نَبذ العادات والسّلوكيات البيئية اللاّمسؤولة.
تحدّيات مُستقل كوكب الأرض
الإنسانية تشهد تطوراً سريعاً في كافة مجالات الحياة من بناء وابداعات مِعمارية وتطوّر تكنولوجي إلى غير ذلك من الإسْهامات العِلمية، تسعى كلها إلى حياة رغيدة للإنسان و تلبية مُتطلباته و راحته الجسمانية.
لكن هُناك تحديات وعوائق تؤثر على مجرى الحياة فوق كوكب الأزوق منها: النمو السّكاني، انقراض بعض الحيوانات، الثروة السمكية، إزالة الغابات والتسحّر، القمامة ومخلفاتها، الثلوث البيئي، مصادر الماء الصالحة للشرب، الإستهلاك الخاطى للطاقة، ظاهرة الإحتباس الحراري، ضحايا الحروب والهجرة. لذا يُطلب من صُناع القرارات السياسة العالمِيّة الإسراع إلى تدارك واقعنا بقرارات صائبة ومسؤولة ومُلزمة، ليتسنى لِتنمية حقيقة تسعى فعلا لأسْعاد البشرية والحفظ على الأرض.
مفهوم الإسْتدامة والتّنمية من المَنظور الدّيني
من خصوصيات التنمية الإسلامية أن أنها تُراعي قدرات الإنسان الروحية الجِسْمية سواء كانت مَادية أو معْنوية. و وفق المصادر الإسلامية لم ترد بهذا الإسم إلا أنه أتى بصيغ أخري منها :
• الشّمُولية: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97].﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ (البقرة:208)
• الإعمار والتّنشئة: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ (هود ـ 61) ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (المؤمنون ـ 19)
• التّكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء.70)
• التّزكية: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 7 ـ 10)
كُلنا ندرك أن جميع الشّرائع السّماوية تُحرّم الإفساد في الأرض وتلويث البيئة بما فيها من إلحاق الضّرر بحياة الإنسان والكائنات الأخرى. كما يتأثر بالأنشطة الإقتصَادية والصّناعية وغيرها، وتَتأثر كذلك بسلوكيات وأخلاقيات الأفراد والجماعات.
إن النظرة الإسلامية الشاملة للتّنمية المُستدامة تستوجب الإعلان الصريح بدون معزل عن الضوابط الدّينية والأخلاقية، لأن هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التّنمية المُستدامة مُبررات استمرارها.
التّنمية رسالة ومسؤولية تستدعي اتخاذ اجراءات مُشتركة لتخفيف المخاطر التي صنعها الإنسان والتي تُؤثر على التغيير المُناخي والبيئي. جاء في القرآن الكريم : ﴿ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ سورة الروم 41. قال ابن عباس وعِكرمة: المُراد بالبَرِّ ههنا الفيافي، وبالبحر الأمصار والقرى، وفي رواية عنه: البحر الأمصار والقرى ما كان منها على جانب نهر.انتهى.
إن مفهوم الإستدامة والتنمية اليوم يحتاج إلى أن نُراجع أنفسنا و وسائلنا لما لدينا من قدرات عِلمية ومن مراجع دينية ولُغوية من أجل المحافظة على الحياة النّظيفة للأرض بالوسائل الطبيعية صديقة للبيئة ومن أجل حمايتها ورعايتها وإيقاف نزيف التلوث البيئي بكافة أشكاله ودرجاته ومستوياته على نحو دائم يخدُم الإنسانية جمعاء. اليوم نحن مُطالبون بالتّنسيق مع المُؤسسات والمُجتمعات
بخلاف موروثها الثقافي والدّيني بالحرص واليقظة على صيانة موارد الأرض الغنية وتطوير مجالات ديمُومتها، والدعوة لتحسين التّدابير والوسائل الإحترازية والوقائية من الأمراض الفتاكة والمنقولة، ليشمل المقومات الأساسية للصحة .
و كما تابعنا جمعيما خلال السّنتين الماضيتين مخاطر الأوبئة والأمراض العابرة للقارات خاصة جائحة كوفيد 19 المُستجد، مما طرح الكثير من الأسئلة والإشكاليات باعتباره وباء عالمي، ترك أثره البالغ على المُجتمعات البشرية والمُؤسسات والحكومات ، حيث فرض تفشي الوباء على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الإحترازية، كالعزل والحجر الصحي والتباعد الجسدي، وغلق الحدود البحرية والبرية وتعليق الرحلات الجوية، مما انعكس سلبا على استمرار التنمية البشرية والإقتصادية مِمّا أدى إلى ركود حاد وانكماش ملحوظ.
إن التنمية العَشوائية وسُوء استغلال الموارد الطبيعية والأنشطة البشرية الغير المُعقلنة تتسبب في حدوث عوائق وتحديات وكوارث تُحرم الناس في بقاع الأرض من سُبل عيشهم وحقُوقهم مما يؤدي إلى تقويض قدرة البعض على تحقيق التنمية المستدامة.
ما هي الخطوات الأساسية التي ينبغي اتخاذها كمؤسسات (الآليات والإجراءات)
مبدأ التّسخير الكوني للإنسان: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الجاثية:12-13)
فالعلاقة الأخلاقية بين البشر و البيئة الطبيعية مُؤكدة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأخلاقيات والسُّلوكيات للإنسان وتعامله معها، وكذلك العلاقة بين التنمية وحماية البيئة علاقة وثيقة وأساسية تُؤدّي إلى تحقيق التّوافق والإنسجام بين عناصر ثلاثة (الإقتصاد، المُجتمع، والبيئة)، مع المُحافظة في الوقت نفسه على حقوق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية وعلى التّمتع ببيئة نظيفة. فمبدأ تسخير الكون هو صميم رسالة الدين الإسلامي الحنيف في مجالات :
• حماية البيئة
• التنمية المستدامة
• المسؤولية الإجتماعية.
وفي هذا الإطار فالمُؤسسات الدينية وغيرها، مُطالبة وبالحاح إلى مزيد من التّأصيل والبحث من المنظور الديني وإلى ضرورة التأصيل الشرعي لهذه المُرتكزات الثلاثة، واستنباط الأحكام الفِقهية والإجتهادية . و الجدير بالذّكر أن مفهوم التّنمية في الإسلام أكثر شمولا، بل إنه أكثر إلزاما من مفهوم التّوصيات الذي تم تبنيها في أجندة المؤتمرات في عصرنا الحالي. فشريعة الدين الإسلامي تؤمن بمبدأ التوازن والإعتدال في تحقيق متطلبات الإنسانية جمعاء بشكل يتفق مع طبيعة الخلقة الإلهية لهذا الكائن.
تنميّة مُستمرة لا حُدود لها بقصد إعمار الأرض والتّغيير المُستمر نحو الأحسن والإرتقاء بسُمو الحياة البشرية. مسؤولية وعمل جماعي مُتواصل وتَطوير لا مجال للعبث وتبذير الثروات التي سخرها المولى عز وجلّ لتكون عونا للبشر في عملية الإعمار ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ (سورة المؤمنون، الآية 115).
المجلس السّويدي للشّؤون الدّينية
ووفقا لميثاق المجلس السّويدي للشؤون الدّينية المؤرخ بتاريخ السبت 25 ذي الحجة 1438 هجرية الموافق 16 سبتمبر/ أيلول 2017 ميلادية اعتمدنا مواضيع وبرامج للكبار والصغار حول التنمية وخصوصياتها وفقا لمواثيق وتوصيات المُؤسسات السويدية، وذلك بتنظيم دورات وندوات وخطب في صلب الموضع للتّوعية وترسيخ ثقافة الوعي الإنساني للبيئة والتنمية المُستدامة، من خلال الإسْتقراء التاريخي والتجارب الحديثة في المجتمعات اليوم.
مملكة السويد
مملكة السّويد قطعت أشواطا مُتقدّمة في مجال حقوق الإنسان والبيئة والتنمية المُستدامة وغيرها من الجوانب الحساسة في المجتمع. وتتمتع باقتصاد قوي وصناعات مُتطورة، كما أنها تحتل المرتبة الأولى في العالم حسب مؤشر الإيكونوميست للديمقراطية والسابعة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، (حسب بيانات ومؤشر 2017 ) ، كذلك احتلت السّويد المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر القُدرة التنافسية المُستدامة، بينما استكملت الدُّول الإسكندنافية الأربعة الأخرى المراكز الخمسة الأولى. واستندت التقييمات إلى معلومات من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، (وبيانات الأمم المتحدة لعام 2017 ).
وتم تصنيف المؤشر كل بلد في خمسة مجالات هي:
1. رأس المال الطبيعي،
2. رأس المال الاجتماعي،
3. إدارة الموارد،
4. رأس المال الفكري ،
5. الكفاءة الحوكمة .
وتصدّرت السّويد من ضمن الأفضل فيهما، هُما رأس المال الفِكري (التعليم والإبتكار والصناعة)، حيث لم تتفوق عليها سوى كوريا الجنوبية. كما جاءت السّويد ضمن المراتب العشرة الأولى في مجال كفاءة الموارد وكثافتها، واحتلت المرتبة الحادية عشرة على صعيد رأس المال الإجتماعي، والذي يقييم مجالات الصّحة والأمن والمساواة والرفاهية الإجتماعية.
خلاصة القول
رسالة الإسلام تمتاز بثقافة شُمولیة وانسانیة، وتدعو الى تنمية مُستدامة مُتناسبة مع ذات الإنسان وطبیعته. رسالة إِلھیّة غایتھا تحقیق النّھوض بمُستوى وعي الإنسان وسلوكه وتصوراته عن الأرض والحیاة. المجلس السويدي للشؤون الدينية يؤمن أن التّنمية الإنسانية دون ثقافة دينية أصيلة تكون مُستعارة ومُستوردة وعقیمة.
فالتّبعية في العُمق السوسيولوجي للآخر لن يكون إلاّ عائقا أمام أي مُقاربة تنموية تهدف إلى المُثُل والقِیم الإجتماعیة والأخلاقیة للأمة الإسلامية التي لها خصائص تميزها عن غيرها. لذا فإن العملية التنموية لا بد أن تكون مُستقلة نابعة من قيمها ومبادئها، مُنسجمة مع تُراثها الدّيني والمعرفي، مُعتمدة في ذلك على خصائصها الذاتية تحث اشراف قيادات سياسية وفكرية حكيمة.
المجلس السويدي للشؤون الدينية