حرق نسخ القرآن جريمة وقديمة
المقدمة
إن حرق نسخة المصحف الكريم وصدور قرار رسمي من السلطات السويدية بالسماح بذلك وحمايته، أمر يحمل هذه الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا الفعل المشين. وإذا كان لكتاب الله رب يحميه، ( انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، الآية ٩ سورة الحجر )وهو الحليم والمنتقم الجبار سبحانه: (ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ)، غير أننا ومع كل الأسف فشلنا في هذا الابتلاء، على مستوى الأمة والأفراد والدول – مع استثناءات محدودة ومعدودة- في اختبار الانتصار لربنا ولرسولنا صلى الله عليه وسلم ولقرآننا الكريم ، وكانت الرسمية منها محدودة وليست علي مستوي عظم الجريمة ، كأن الجريمة موجهة الي تركيا فقط وليس الي كل المسلمين ، وذلك بشكل مخجل ومعيب.
بسم الله الرحمن الرحيم
حرق نسخ القرآن جريمة وقديمة
أولاً : دوافع سياسية ودينية .
إن جريمة إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد، أمام السفارة التركية، والتي ارتكبها اليميني المتطرّف الدنماركي راسموس بالودان ، كان لها دوافع سياسية وذلك للتنديد بالمفاوضات التي تجريها السويد مع تركيا حول انضمامها لحلف الناتو ، وفي نفس الوقت لم تكن حدثاً عابراً أو حالة استثنائية في أوروبا والغرب بشكل عام، لأنه بالعودة إلى التاريخ نجد أن هذا الحدث المشين ، بدأ منذ عام 1530م , عندما ظهرت في البندقية أول نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة اللاتينية وفي العام نفسه أصدر البابا كليمنت السابع بابا الفاتيكان ، مرسوماً بإحراق هذه الطبعة. وبعد ذلك مباشرة صدرت قرارات من محاكم التفتيش الإسبانية، تحظر إصدار أي ترجمات باللغة اللاتينية للقرآن الكريم .
وقد بدأ أحد العاملين في الطباعة آنذاك ، وهو يوهانز اوبورينوس في مدينة بال السويسرية في عام 1541م ، بطباعة ترجمة باللغة اللاتينية لمعاني القرآن الكريم ، كان قد أعدها روبرت كيتون في القرن الثانى عشر الميلادي ، ولكن سلطات مدينة بال السويسرية ، صادرت هذه الطبعة بأكملها ايضا ، وقد ارتكبت هذه الجريمة عدة مرات أخرى من قبل بعض المسيحيين أثناء الحرب الصليبية. وللمفارقة والتأكيد على هذا النهج المعادي والكاره للإسلام ، بقيت هذه الجرائم تتكرر حتي الوقت الحالي .وليست هذه هي المرة الأولى ، ولن تكون بطبيعة الحال الأخيرة والتي يُعتدى فيها على حرمات الإسلام ومقدساته، وانتهاكها بطريقة مستفزة ووقحة وبعيدة عن الأخلاق الإنسانية والسلوكيات الحضارية.
ثانيا • ردودنا ليست علي مستوي الجريمة .
إن حرق نسخة المصحف الكريم وصدور قرار رسمي من السلطات السويدية بالسماح بذلك وحمايته، أمر يحمل هذه الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا الفعل المشين. وإذا كان لكتاب الله رب يحميه، ( انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، الآية ٩ سورة الحجر )وهو الحليم والمنتقم الجبار سبحانه: (ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ)، غير أننا ومع كل الأسف فشلنا في هذا الابتلاء، على مستوى الأمة والأفراد والدول – مع استثناءات محدودة ومعدودة- في اختبار الانتصار لربنا ولرسولنا صلى الله عليه وسلم ولقرآننا الكريم ، وكانت الرسمية منها محدودة وليست علي مستوي عظم الجريمة ، كأن الجريمة موجهة الي تركيا فقط وليس الي كل المسلمين ، وذلك بشكل مخجل ومعيب.
ثالثا • دروس وعبر من تكرار الجريمة .
إن في مسألة حرق المصحف أمور عديدة ومؤشرات كثيرة منها وبشكل مختصر:
1. تتجرأ الدول الغربية المسيحية اساسا على محرمات المسلمين، لإنها واثقة من أن ردود الفعل الرسمية لن تتعدى إن وجدت، بعض الكلمات الجوفاء والبيانات العرجاء ، وردود الفعل الفردية والمنفعلة والتي تدعو الي الانتقام وحرق نسخ التوراة والانجيل ، ولو كان عند حكومة السويد أدنى شك بأنها ستواجه آية إجراءات اقتصادية خصوصا في مجال الطاقة، أو تجارية كالمقاطعة ، أو سياسية كاستدعاء السفراء او قطع العلاقات الديبلوماسية من الدول الاسلامية والعربية ، لما تجرأت على التصرف بوقاحة ووضاعة وامتهان مشاعر حوالي ٢ مليار مسلم .
2. هل تجرأ حكومة السويد الرسمية السماح بحرق التوراة أو الانجيل ( وهو أمر نرفضه تماما كمسلمين) أمام سفارات السويد أو الدانمرك او هولندا مثلا أو الدولة العبرية على سبيل المثال، ناهيك عن تقديم الحماية لذلك السلوك؟ ، وهل ستعطي حكومة السويد المهتمين بالأخلاق والعفة من مواطنيها المسلمين وغيرهم، الإذن بالتظاهر مثلا أو بحرق علم الشواذ وشعاراتهم في ميدان عام؟ .
3. وقد شجع السويد على موقفها الرسمي العدائي في مسألة احراق المصحف ما حدث في فرنسا، فقد اعتدى رئيسها ماكرون على مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع كل ذلك فلم تتخذ اي حكومة مسلمة موقفا تجاه فرنسا، بل إن رئيسها استقبل في بلاد المسلمين بالحفاوة والتكريم والسجاد الأحمر.
4. الغرب والذي يعاني أزمات أخلاقية عميقة، وتفكك أسري كبير، وتجارة الرقيق الأبيض، وحالات عنف دموي وإطلاق نار بشكل عشوائي، لا ينشغل لا بالبوذية ولا بالهندوسية ولا غيرهما من الاديان ، هو فقط ينشغل بالإسلام. والسبب في ذلك هو حيوية الإسلام، وما يشكله من بديل أخلاقي وحضاري لمدنيتهم الآخذة في الأفول والتي تغرق في أوحال الشذوذ وقيعان الإدمان والضياع والبوهيمية. هذه الحيوية والإقبال علي اعتناق هذا الدين ، هي التي تجعل الإسلام الدين الأكثر انتشارا، وخيار العديد من نخبة العلماء والمفكرين الغربيين مثل رجاء جارودي ومراد هوفمان يرحمهما الله وغيرهم.
5. حرق المصحف هو تصرف الحمقى والجهلة والحاقدين، ولو كان عندهم القدرة على من تدبر القرآن وفهمه علميا وفكريا ومنطقيا لفعلوا، ويكفى أن نعلم أن مستشار نيكسون القانوني روبرت كوين –يرحمه الله- وهو اليهودي الحائز على دكتوراة في القانون من جامعة هارفارد العريقة ، أعلن إسلامه حين قرأ آيات الميراث في القرآن فتعجب من إيجازها وإعجازها وشموليتها الكاملة معلنا أن لا قدرة لبشر على فعل ذلك، وأمثاله في مختلف التخصصات كثيرين ويضيق المقام لذكرهم .
6. على الرغم من أن المقصود من مثل هذه التصرفات الإعتداء على الإسلام والانتقاص منه، فإن كثير من المسلمين حتى من غير الملتزمين يجدون بمثل هذه التصرفات الرعناء استفزازا يدفعهم لإعادة رسم علاقاتهم بالإسلام بشكل أكثر قربا وتطبيقا. لا بل إن مثل هذه التصرفات والهجمات السابقة دفعت العديد من الغربيين لدراسة الإسلام واعتناقه عن قناعة ورغبة. ومن حيوية هذا الدين المحفوظ من الله وتسامحه وقبوله للآخر ووعد الله بحفظه سبحانه وتعالى، أن أسلم بعض ممن كان في طليعة قيادة حملات الإساءة مثل أرناود فان دورن السياسي السابق في حزب الحرية الهولندي المتطرف وأحد المشاركين في إنتاج فيلم "الفتنة" المسيء للإسلام بوضاعة، والذي هداه الله للإسلام وأعلن توبته وندمه على دوره في الهجوم على دين الحق.
7. ربط تركيا بالإسلام على الرغم من أن أنقرة تعلن أن نظامها في الحكم علماني، يكشف أن دافع الحقد الغربي على تركيا الأساسي، كونها دولة مسلمة وأن الحكم فيها يقترب من القيم الإسلامية في نشر الأخلاق والقيم العائلية وحتى الإنسانية كما كان دوره عالميا في وباء كورونا ، وفي ازمة اوكرانيا وحل مشكلة الغذاء ، وان الحقد علي تركيا سببه عرقلتها دخول السويد الي حلف الناتو الا بشروط تركيا وتسليم الارهابيين الذين يقيمون علي ارض السويد وتحت حمايتها .
رابعا • افعال سويدية ومعايير مزدوجة مع المسلمين .
فقد حدث حرق نسخ القرآن الكريم قبل ذلك في مدينة سويدية أخري غير العاصمة ستوكهولم ، وخرج بعض الشباب المسلمين رفضا لهذا الفعل المشين وتم القبض عليهم ومعاقبة من تظاهر تعبيرا عن حرية الرأي بالسجن ٤ سنوات دون اي اعتبار لدعاوى الحرية والديموقراطية الجوفاء ، وكدليل علي ازدواجية المعايير في التعامل ، تعهدت السويد لسفير اسرائيل بمنع اي محاولة لحرق التوراة امام سفارة الكيان الصهيوني ، وذلك بعد تقدم مواطن سويدي بطلب رسمي للسماح له بذلك
لاختبار صدقية الديموقراطية السويدية في حماية حريةً التعبير ، وقد شكر السفير الاسرائيلي حكومة السويد علي تفهمها.
خامسا • موقف دولة قطر المشرف .
دعت الدكتورة حمدة السليطي نائب رئيس مجلس الشوري ، علي هامش اعمال الدورة ال١٧ لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الاعضاء بمنظمة التعاون الاسلامي المنعقد في الجزائر بضرورة اتخاذ موقف حازم للرد علي حوادث حرق نسخ القرآن المتكررة في دول اوروبية عديدة بموافقة وحماية حكوماتها ، بدعوي حرية التعبير.
سادسا • الرد علي السويد بدون انفعال وعنف .
ان الرد المؤثر علي السويد ممكن ، بمقاطعة اكبر شركاتها وهي فولفو وسكانيا.
وسيعزز هذا انتصار الاسلام دين المحبة والرحمة والتسامح ، فالإسلام لا يحتاج لنصرتنا بل نحن من نحتاج لننصره حتى لا نكون من الأخسرين أعمالا، وحتى نلقى الله ونحن علي حب رسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم كتابه وتوقيره،
الدكتورة مرفت إبراهيم
الكاتبة والباحثة والمتخصصة في الاستدامة