مسلم قضى نحبه موقوفا لدى الجهات الأمنية السويدية
المقدمة
** كلمة رثاء لأخ قضى نحبه موقوفا لدى الجهات الأمنية ، ليس لجريمة ارتكبها أو عنفا يهدد أمن البلاد والعباد. بل بسبب إصرارة على استعادة ابناؤه من يد الشؤون الاجتماعية (السوسيال).
بقلم الدكتور محمد الدبعي
وصلني اليوم خبر وفاة اخي و صديقي حسين مفتار Husein Miftar من مدينة مالمو ، يوم امس وهو موقوف في قسم الحجز( Häkte ) لدى الشرطة ، بعد أن اتهم بمحاولة تهريب ابنته من ايادي السوسيال ، حيث عاش سنوات طويلة في سجال مع السوسيال لاستعادة ابناؤه .
قبل كل شي دعوني أوجه واجب العزاء لأبناء و اقارب الفقيد ومحبيه ، واقول بقلب حزين أعظم الله اجركم و غفر لميتكم واحسن عزاءكم ، سائلا المولى أن يتقبله برحمته و يجعله من أهل الجنة و ان يعيينا واياكم على تحمل وقع هذه الفاجعة الاليمة وان يعصم قلوبنا بالصبر الجميل وليعوضنا بخسارته أجراً حسنا..اللهم امين ..
استميحكم عذراً للحديث عما يجول في خاطري تجاه فقيدنا وفقيدكم، وفقيد المؤسسات الإسلامية وذلك تعبيراً عن ألم الحزن الذي أصابني إزاء هول الفاجعة، وان كنت اعترف مسبقاً بأني عاجزً عن بلوغ المعنى وقصد المرام .. لا اعرف سبب الوفاة و لكن احتجاز اب يريد استرجاع ابناؤه بهذه الطريقة ، عمل غير إنساني . و لا يتحمله قلب إنسان و يمر على أجهزة الإعلام دون أن يشار إليه و البحث عن سبب الوفاة.
ولا اخفيكم بأن الارتجال عادةً لا يسعفني لأستحضار الكلمات التي احتاجها في حضرة هذا المقام وخاصة عندما يتسع الحدث بحجم الالم والفقد معاً، فالعبارة حينها تضيق وتتضاءل المفردات ويعجز اللسان، على التعبير عن حالة اللوعة والأسى التي فاضت بي ولا قدرة لي على كتمانها بين الضلوع، و وجدت نفسي اليوم مدفوعاً بقوة بالحديث كأخ و صديق منذ أكثر من ثلاثين عاما و جزء منها في عملنا في إدارة اتحاد مسلمي السويد ، وكانت تربطني به علاقة متينة مبنية على الانسجام والتفاهم و محاولاً في هذه الاثناء ان تسعفني الذاكرة للتطرق الى محاسن شمائله ورقة طباعه ، حيث ترك فراغاً كبيراً في قلبي .
نعم، اكتب هذا الكلام وليس لي طاقة على سبر اغوار تلك النفس الطاهرة التي نذرت نفسها للدفاع عن حقوق الأطفال الذين يتم انتزاعهم من ذويهم و منهم ابناؤه ، و عدم إيجاد حل حتى يعود لرب الأسرة البسمة التي حرم منها.
وواجبنا هنا ان لا نكتفي بالترحم على أمثال حسين مفتار الذي قضى و هو يناضل من أجل الاطفال والتعبير عن حجم الخسارة التي لا تعوض فحسب، بل ينبغي علينا كمسلمين ان نحيي مآثره الطيبة تجاه تلك السيرة العاطرة، وذلك بهدف التأسي المحمود وأخذ العبر والصفات التي حملها وكان بحق مشعلاً منيراً لقضايا الاطفال .. فمجرد أستحضارنا لهذه الشخصية الصادقة يؤنسنا القناعة والرضاء بقضاء الله وقدره، ويسكب في نفوسنا الطمأنية بأن الخير في الناس موجود، وبنفس الوقت نستحضر حجم الفقد والم الخسارة على رحيله. لم يغيب حسين عن افراحنا او اتراحنا، وفي المواقف العامة التي تتعلق بالمسلمين و قضية فلسطين وهو يحمل علم فلسطين يلوح به في المناسبات المختلفة و ايضا المشاركة في الوقوف بوجه كل محاولات الاساءه للإسلام والمسلمين و هو المبادر والحاضر وصاحب التضحية دوما ، عميق الوضوح فيما يتصل بالمبادئ الثابتة، لا تبديل ولا مساومة ولا مهادنة، الايمان بالله يشرق من روحه السمحة، فهو المواضب على الصلوات الخمس منذ نعومة اظافره والمحافظ على الشعائر الدينية قولاً و يصبر على الابتلاء والمحن، ويعمل لآخرته بجد وإحسان .. نعم لقد فقدنا اليوم إنساناً ظلم من الجهات الرسمية و لم يجد العون والمساندة العملية من مؤسسات المسلمين ، فقدنا صديقا عزيزا ، و كان اكبر من التأطيرات الضيقة والحسابات الأنانية، فهو الصديق الذي لا يبخل على أحد بعطفه وحنانه، والاخ الذي كان يتحمل العبء في سبيل راحة الاخرين..
لاشك ان المصاب جلل والفادحة اليمة والحزن عميق، وهذا قدر الله ومشئيته وليس امامنا حيال القدر سوى القبول والاستسلام والتضرع له بالرحمة والمغفرة، وعزاؤنا الوحيد ان الله اصطفاه إلى عنده وهو يدافع عن الحق و نصرة المظلومين.
إذ لا أجمل من ذلك الإنسان الذي يصل به الحال مع الآخرين بأنه أخاً لهم في اوقات الملمات وعوناً لا يكل ولا يبخل في ظرف أشتداد المحن والمصاعب، وفوق هذا صلته بدعم الخير العام لا تتوقف، يبادر بفعل الخيرات التي نجني من وراءها الفائدة التي تعم الجميع، ويبدو أكثر إيجابية في إدراك حقيقة الخير الذي يعم الناس من دون تمييز او تفريق بينهم، كما أنه لا يمنن بما أعطى او يستكثر على ما جاد ..
نعم لقد عرف ان السعادة لا تأتي مطلقاً إلا بإسعاد الآخرين والوقوف إلى جانبهم، وهذا يعني أن تقييمه للحياة أقرب الى الحقيقة الإنسانية الربانية التي ارادها الله في أرضه وميز بها اصحاب النوايا الحسنة عن غيرهم من المزّيفين . لقد افضى الى ربه ورحل الى مولاه؟
سلامٌ عليك حياً وميتا وليجزيك الله عنا خير الجزاء وتقبل منا خالص الدعاء لك بعظيم المغفرة والاكرام