عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ رَضِي اَللَّهْ عَنْهُ
المقدمة
سْمِ اللَّهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ رَضِي اَللَّهْ عَنْهُ هُوَ أَبُو اَلْحَسَنْ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ اَلْهَاشِمِيِّ اَلْقُرَشِيِّ ، اِبْنُ عَمِّ اَلرَّسُولْ مُحَمَّدْ وَصِهْرُهُ ، مِنْ آلَ بَيْتُهُ ، وَأَحَدَ أَصْحَابِهِ ، وَهُوَ رَابِعٌ اَلْخُلَفَاءِ اَلرَّاشِدِينَ عِنْدَ اَلسَّنَةِ وَأَحَدِ اَلْعَشَرَةَ اَلْمُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ . يُقَال بِأَنَّ وِلَادَتَهُ كَانَتْ فِي جَوْفِ اَلْكَعْبَةِ ، وَأُمُّهُ فَاطِمَة بِنْتْ أَسَدْ اَلْهَاشِمِيَّةِ . أَسْلَمَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ اَلنَّبَوِيَّةِ ، وَهُوَ ثَانِي أَوْ ثَالِثٍ اَلنَّاسُ دُخُولاً فِي اَلْإِسْلَامِ ، وَأَوَّل مِنْ أَسْلَمَ مِنْ اَلصِّبْيَانِ . هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ اَلْمُنَوَّرَةَ بَعْد هِجْرَةِ اَلرَّسُولِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ وَأَخَاهُ اَلنَّبِي مُحَمَّدْ مَعَ نَفْسِهِ حِينَ آخَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَزَوْجُهُ اِبْنَتَهُ فَاطِمَة فِي اَلسَّنَةِ اَلثَّانِيَةِ مِنْ اَلْهِجْرَةِ . شَارَكَ عَلِي فِي كُلِّ غَزَوَاتِ اَلرَّسُولِ عَدَا غَزْوَةَ تَبُوكَ حَيْثُ خَلَّفَهُ فِيهَا اَلنَّبِي مُحَمَّدْ عَلَى اَلْمَدِينَةِ . وَعَرَفَ بِشِدَّتِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي اَلْقِتَالِ فَكَانَ عَامِلاً مُهِمًّا فِي نَصْرِ اَلْمُسْلِمِينَ فِي مُخْتَلِفِ اَلْمَعَارِكِ وَأَبْرَزَهَا غَزْوَةَ اَلْخَنْدَقِ وَمَعْرَكَةِ خَيْبَرِ .
بِوَلَقَدْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ ثِقَةِ اَلرَّسُولْ مُحَمَّدْ , فَكَانَ أَحَدُ كِتَابِ اَلْوَحْيِ وَأَحَدِ أَهَمِّ سُفَرَائِهِ وَوُزَرَائِهِ . تُعَدّ مَكَانَةُ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ وَعَلَاقَتَهُ بِأَصْحَابِ اَلرَّسُولِ مَوْضِعَ خِلَافٍ تَارِيخِيٍّ وَعَقَائِدِيٍّ بَيْنَ اَلْفِرَقِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ اَلْمُخْتَلِفَةِ ، كَمَا يَرَوْنَ أَنَّ عَلَاقَةَ بَعْضِ اَلصَّحَابَةِ بِهِ كَانَتْ مُتَوَتِّرَةً . وَيَرَى آخَرُونَ أَنَّ عَلَاقَةَ أَصْحَابِ اَلرَّسُولِ بِهِ كَانَتْ جَيِّدَةً وَمُسْتَقِرَّةً . بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ سَنَةَ 35 ه ( 656 م ) بِالْمَدِينَةِ اَلْمُنَوَّرَةَ ، وَحُكْمَ خَمْسِ سَنَوَاتِ وَثَلَاثِ أَشْهُرٍ وَصَفَتْ بِعَدَمِ اَلِاسْتِقْرَارِ اَلسِّيَاسِيِّ ، لَكِنَّهَا تَمَيَّزَتْ بِتَقَدُّمٍ حَضَارِيٍّ مَلْمُوسٍ خَاصَّةً فِي عَاصِمَةِ اَلْخِلَافَةِ اَلْجَدِيدَةِ اَلْكُوفَةِ . وَقَعَتْ اَلْكَثِيرَ مِنْ اَلْمَعَارِكِ بِسَبَبِ اَلْفِتَنِ اَلَّتِي تَعُدْ اِمْتِدَادًا لِفِتْنَةِ مَقْتَلِ عُثْمَانْ ، مِمَّا أَدَّى لِتَشَتُّتِ صَفِّ اَلْمُسْلِمِينَ وَانْقِسَامُهُمْ لِشِيعَةِ عَلِي اَلْخَلِيفَةِ اَلشَّرْعِيِّ ، وَشِيعَةُ عُثْمَانْ اَلْمُطَالِبِينَ بِدَمِهِ وَعَلَى رَأْسِهِمْ مُعَاوِيَة بْنْ أَبِي سُفْيَانْ اَلَّذِي قَاتَلَهُ فِي صَفَّيْنِ ، وَمَعَهُ عَائِشَة بِنْتْ أَبِي بَكْرْ زَوْجَةَ اَلنَّبِيِّ وَمِنْ أُمَّهَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَمَعَهَا طَلْحَة بْنْ عُبَيْدْ اَللَّهْ وَالزُّبَيْرْ بْنْ اَلْعَوَامِّ اَلَّذِينَ قَاتَلُوهُ فِي يَوْمِ اَلْجَمَلِ بِفِعْلِ فِتْنَةٍ أَحْدَثَهَا اَلْبَعْضُ حَتَّى يَتَحَارَبُوا ؛ كَمَا خَرَجَ عَلَى عَلَى جَمَاعَةٍ عَرَفُوا بِالْخَوَارِجِ وَهَزَمَهُمْ فِي اَلنَّهْرَوَانْ ، وَظَهَرَتْ جَمَاعَاتٌ تُعَادِيهُ وَتَتَبَرَّأُ مِنْ حُكْمِهِ وَسِيَاسَتِهِ ، سُمُّوا بِالنَّوَاصِبِ وَلَعَلَّ أَبْرَزُهُمْ اَلْخَوَارِجِ . وَاسْتَشْهَدَ عَلَى يَدِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنْ بْنْ مُلْجَمْ فِي 21 رَمَضَانْ سَنَةَ 40 ه 661 م . اِشْتَهَرَ عَلِي عِنْد اَلْمُسْلِمِينَ بِالْفَصَاحَةِ وَالْحِكْمَةِ ، فَيَنْسُبُ لَهُ اَلْكَثِيرَ مِنْ اَلْأَشْعَارِ وَالْأَقْوَالِ اَلْمَأْثُورَةِ . كَمَا يُعَدُّ رَمْزًا لِلشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَيَتَّصِفُ بِالْعَدْلِ وَالزُّهْدِ حَسَبَ اَلرِّوَايَاتِ اَلْوَارِدَةِ فِي كُتُبِ اَلْحَدِيثِ وَالتَّارِيخِ . كَمَا يَعْتَبِرُ مِنْ أَكْبَرِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ عِلْمًا وَفْقَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْبَرَهُمْ عَلَى اَلْإِطْلَاقِ كَمَا يَعْتَقِدُ اَلشِّيعَةُ وَبَعْضُ اَلسَّنَةِ ، بِمَا فِيهِ عَدَدٌ مِنْ اَلْفِرَقِ اَلصُّوفِيَّةِ . خِلَافَتُهُ كَانَ عَلِي يَوْمِ اَلْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ ، وَفِي أَثْنَاءِ اَلصَّلَاةِ ضَرْبَهُ عَبْدَ اَلرَّحْمَنْ بْنْ مُلْجَمْ بِسَيْفٍ مَسْمُومٍ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ عَلِي جُمْلَتَهُ اَلشَّهِيرَةَ : « فُزْتُ وَرَبُّ اَلْكَعْبَةِ » ، وَتَقُولَ بَعْضُ اَلرِّوَايَاتِ أَنَّ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ كَانَ فِي اَلطَّرِيقِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ حِينَ ضَرْبِهِ اِبْنْ مُلْجَمْ ؛ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى اَلْأَكْتَافِ إِلَى بَيْتِهِ وَقَالَ : « أَبْصَرُوا ضَارِبِي أَطْعِمُوهُ مِنْ طَعَامِي ، وَاسْقُوهُ مِنْ شَرَابِي ، اَلنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، إِنَّ هَلَكْتَ ، فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي وَإِنَّ بَقِيَتْ رَأَيْتَ فِيهِ رَأْيِي » وَنَهَى عَنْ تَكْبِيلِهِ بِالْأَصْفَادِ وَتَعْذِيبِهِ . وَجِيءَ لَهُ بِالْأَطِبَّاءِ اَلَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ مُعَالَجَتِهِ فَلَمَّا عَلِمَ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ قَامَ بِكِتَابَةِ وَصِيَّتِهِ كَمَا وَرَدَ فِي مُقَاتِلِ اَلطَّالِبَيْنِ . ظِلُّ اَلسُّمِّ يَسْرِي بِجَسَدِهِ إِلَى أَنَّ تُوُفِّيَ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، تَحْدِيدًا لَيْلَةَ 21 رَمَضَانْ سَنَةَ 40 ه عَنْ عُمَرْ يُنَاهِزُ 64 حَسَبِ بَعْضِ اَلْأَقْوَالِ . وَبَعْدُ مَمَاتِهِ تَوَلَّى عَبْدُ اَللَّهْ بْنْ جَعْفَرْ وَالْحَسَنْ وَالْحُسَيْنْ غَسْلِ جُثْمَانِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ ، ثُمَّ اِقْتَصُّوا مِنْ اِبْنْ مُلْجَمْ بِقَتْلِهِ . وَلَقَّبَ اَلشِّيعَةُ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ بُعْدِهَا بِشَهِيدِ اَلْمِحْرَابِ . اِغْتِيَالُهُ كَانَ عَلِي يَوْمِ اَلْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ ، وَفِي أَثْنَاءِ اَلصَّلَاةِ ضَرْبَهُ عَبْدَ اَلرَّحْمَنْ بْنْ مُلْجَمْ بِسَيْفٍ مَسْمُومٍ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ عَلِي جُمْلَتَهُ اَلشَّهِيرَةَ : " فُزْتُ وَرَبُّ اَلْكَعْبَةِ " وَتَقُولُ بَعْضُ اَلرِّوَايَاتِ أَنَّ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ كَانَ فِي اَلطَّرِيقِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ حِينَ ضَرْبِهِ اِبْنْ مُلْجَمْ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى اَلْأَكْتَافِ إِلَى بَيْتِهِ وَقَالَ : « أَبْصَرُوا ضَارِبِي أَطْعِمُوهُ مِنْ طَعَامِي ، وَاسْقُوهُ مِنْ شَرَابِي ، اَلنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، إِنَّ هَلَكْتَ ، فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي وَإِنَّ بَقِيَتْ رَأَيْتَ فِيهِ رَأْيِي » وَنَهَى عَنْ تَكْبِيلِهِ بِالْأَصْفَادِ وَتَعْذِيبِهِ . وَجِيءَ لَهُ بِالْأَطِبَّاءِ اَلَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ مُعَالَجَتِهِ فَلَمَّا عَلِمَ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ قَامَ بِكِتَابَةِ وَصِيَّتِهِ كَمَا وَرَدَ فِي مُقَاتِلِ اَلطَّالِبَيْنِ . ظِلُّ اَلسُّمِّ يَسْرِي بِجَسَدِهِ إِلَى أَنَّ تُوُفِّيَ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، تَحْدِيدًا لَيْلَةَ 21 رَمَضَانْ سَنَةَ 40 ه عَنْ عُمَرْ يُنَاهِزُ 64 حَسَبِ بَعْضِ اَلْأَقْوَالِ . وَبَعْدُ مَمَاتِهِ تَوَلَّى عَبْدُ اَللَّهْ بْنْ جَعْفَرْ وَالْحَسَنْ وَالْحُسَيْنْ غَسْلِ جُثْمَانِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ ، ثُمَّ اِقْتَصُّوا مِنْ وَقَتْلِهِ . وعَبْدَالَرَحَمَنْ بْنْ ملجمْ أَحَدَ اَلْخَوَارِجِ كَانَ قَدْ نَقَعُ سَيْفُهُ بِسُمٍّ زُعَافٍ لِتِلْكَ اَلْمُهِمَّةِ . وَيُرْوَى أَنَّ اِبْنْ مُلْجَمْ كَانَ اِتَّفَقَ مَعَ اِثْنَيْنِ مِنْ اَلْخَوَارِجِ عَلَى قَتْلِ كُلٍّ مِنْ مُعَاوِيَة بْنْ أَبِي سُفْيَانْ وَعَمْروْ بْنْ اَلْعَاصْ وَعَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ يَوْمِ 17 رَمَضَانْ ، فَنَجَحَ بْنْ ملجمْ فِي قَتْلِ عَلِي وَفَشِلَ اَلْآخَرَانِ . تَذَكُّرُ اَلْعَدِيدِ مِنْ كُتُبِ اَلْحَدِيثِ اَلنَّبَوِيِّ وَكَتَبَ اَلتَّارِيخُ أَنَّ مُحَمَّدْ قَدْ تَنَبَّأَ بِمَقْتَلِ عَلِي ، وَتَعَدَّدَتْ رِوَايَاتِهِمْ حَوْلَ قَتْلِهِ وَقَدْ حَكَى اَلْخَطِيبْ اَلْبَغْدَادِي عَنْ أَبِي نَعِيمْ اَلْفَضْلِ بْنْ دَكِينْ أَنَّ اَلْحَسَنْ وَالْحُسَيْنْ حَوَّلَاهُ فَنَقُلَاهُ إِلَى اَلْمَدِينَةِ فَدَفَنَاهُ بِالْبَقِيعِ عِنْدَ قَبْرِ زَوْجَتِهِ فَاطِمَة أُمَّهُمَا . رَضِيَ اَللَّهُ عَنْ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ وَرَضِيَ عَنَّا اَحَمَعِينْ وَهَذَا عَرْضٌ مُوجَزٌ مُنِيَ لِسِيرَةِ رَابِعٍ اَلْخُلَفَاءَ اَلرَّاشِدِينَ وَاحِد اَلْعَشَرَةِ اَلْمُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ
الدُّكْتُورَةُ مِرْفَتْ إِبْرَاهِيم
اَلْبَاحِثَةِ وَالْكَاتِبَةِ وَالْمُتَخَصِّصَةِ فِي اَلِاسْتِدَامَةِ