الخميس 19 جمادى الأولى 1446هـ / 21 نوفمبر 2024م
     Sveriges
religiösa råd
المجلس السويدي
للشؤون الدينية     
الإثنين 10 أبريل 2023

هَلْ نَحْنُ بِحَاجَة إِلى مَذْهَبٍ جَدِيد؟ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك

المقدمة

اقتضت حكمة الله أن تتضمن النصوص القرآنية والحديثية معاني كلية، وقواعد ضابطة، هي أصول لطرق الاستنباط والاستدلال، وهي قواعد لتفسير النصوص، واستناداً إلى أنها مستمدة من النصوص فإنها متوافقة مع الفطرة، وقد كانت هذه الأصول حاضرة في أذهان الصحابة والتابعين في استدلالاتهم، وتعاقب الأئمة بعدهم على تفصيل القول فيها والتفريع عليها، فنشأ الفقه الإسلامي وترعرع فقهاً له أصوله التي يسير عليها، وله مقاصده التي يرمي إليها، فلم يكن الفقه آراء شخصية تتخطفه أهواء أفراد لا نعلم لهم أصولاً ولا منهجاً للاستنباط، فقد انتظمته أربع مدارس، لكل مدرسة أصولها التي تترسمها، ولها حراس هم علماؤها الذين يقفون سداً منيعاً أمام حصول أي اختلال بها أو انحراف عن المنهج الضابط لها، فكانت هذه المدارس هي الأركان التي بني عليها فقه الشريعة الإسلامية، وهذا ما جعل فقهنا لا يبلى على مر الدهور، يجيب عن كل نازلة تـجد، فهو فقه ثري لا يبس فيه ولا جمود، فروعه أشبه بفروع شجرة باسقة الأغصان ينتظمها جذع واحد، فمهما تكاثرت فروعها وتنوعت، فإنها ترجع إلى ساق واحدة، وقد قال القرافي: «وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف،

ويظهر رونق الفقه ويعرف» بخلاف من يسير غير مهتد بأصول يترسمها، فربما كانت أقواله انطباعات شخصية، وهي أقرب إلى الحدس والتخمين الذي لا يكاد يسلم من دخول الهوى والتشهي، وهذا بعيد جداً عن علم الفقه، فالفقه هو ما استند إلى أصول الاجتهاد، أما إذا استند إلى الثقافة أو المزاج العام، فلا يسمى فقهاً، وهو مدعاة إلى كثرة المنتسبين للاجتهاد، كما هو الحال في هذا العصر، ممن يجتهد من غير أن نرى له أصولاً يسير عليها، وبهذا تتزايد المرجعيات وتتعدد بتعدد هؤلاء الأفراد، ولنا أن نأخذ العبرة من كثرة الفرق والجماعات التي شذت ونبتت على جسم الأمة الإسلامية قديماً، بعد أن تحررت من الضوابط وتخففت من القيود، فخرجت إلى عالم الفوضى الرحب، حتى تشعبت كل جماعة منها إلى جماعات، فما أخطر أن ينقاد غير المتخصص بهؤلاء، إن أيسر وسيلة لمن أراد هدم علم من العلوم هي أن يهدم أركانه ودعائمه، وهي مدارسه التي يقوم عليها، فانظر ماذا يبقى من الفقه عندما تخلو مكتبة فقهية من هذه المدارس، وإذا خلا الفقه من مدارسه المعتبرة عز وجود الفقهاء، وانفتح باب الاجتهاد لبائع النعناع، بدعوى «هم رجال ونحن رجال» وتسور جدار الاجتهاد الجهال والمتطفلون، فأفتوا الناس بغيرعلم، ثم إنهم إذا نقلوا من موائد فقهاء المدارس المؤصلة ربما شطحوا، فكانوا كحاطب ليل -وهو الرجل الذي يخرج ليلاً ليحتطب، فلا يدري أين تقع يده، فقد تقع على أفعى فتقتله- وبهذا تستباح الـحرمات بفتاوى هؤلاء وقد تسفك بها الدماء، لأنهم يسوسون الناس بفقه لا عماد له ولا أوتاد، ومن ذلك ما قد يقع فيه بعض القضاة اليوم، من إسقاط شهادة من لديه طيور يطيرها، بحجة أنه قرأ أن اللعب بالحمام يعد من خوارم المروءة التي تسقط الشهادة، وهذه غفلة كبيرة، لأنه لا عبرة بالأسماء والأشكال في التحليل والتحريم، ولا عبرة كذلك بالأوصاف المصاحبة والمقارنة، كتربية الطيور واللعب بها، وإنما المعتبر في الحل والحرمة هو وجود الوصف المقصود لمعرفة الحالة المرعية، وهو في مثالنا هذا نقص المروءة، أما تربية الطيور فلا يتعلق بها غرض الشارع الحكيم ولا تناط به الأحكام، فالحكم منوط بفقد المروءة أو نقصها، وبيان ذلك أن الناس في الماضي كانوا يربون الطيور على أسطح دورهم، فإذا علم عن شخص أن لديه طيوراً على سطح داره، وأنه يمضي وقتاً طويلاً مع الطيور على سطح داره، فإنه يرتكب بذلك فعلاً لا يليق بأهل المروءات، وهو كشف عورات الجيران، لأنه يعلم أن سطح الدار موضع اطلاع على عورات البيوت، والعاقل ذو المروءة لا يرضى لنفسه أن يكون في موضع يظن به أنه يكشف عورات الجيران، وهكذا عالج الفقه أقضية الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحل مشكلاتهم الأخلاقية، وهو أمر نلحظه من ذلك القدر الكبير الذي دونته لنا كتب الفقه بما فيه فقه النوازل، فهو تراث علمي غزير ثري بالنماذج التطبيقية لمعالجة الفقهاء لهموم الناس ونوازلهم، غير أننا وقد هجرنا هذه الكتب لسنوات طوال، فقد صارت عصية على الفهم فضلاً عن التطبيق، وقد اقتضت حكمة الله أن يقوم علم الفقه على أربع مدارس، ذلك أنه ما من علم إلا وهو قائم على أكثر من مدرسة، وقد تضافرت على بناء هذه المدارس الأربع جهود أئمة كبار، فالمدرسة أكبر من أن يقوم بها فرد، ثم إن هذه المدارس قوامها التطور، فالتجديد أصل ثابت فيها، ذلك أن الحوادث تجد مع الأيام، وتتنامى مع الزمن، فالوقائع والنوازل لا تتناهى ولا يحيط بها الحصر، ومن أجل هذا كانت هذه تفرض على فقهائها مراعاة محل النازلة، فما يفتى به في زمان، قد لا يفتى به في زمان آخر، فالفتوى تقدر الزمان والمكان والأشخاص، لأن الشريعة جاءت بعبارات كلية، وبنصوص منحصرة، تتناول جزئيات المسائل التي لا تنحصر، فربما ظن بعض الناس أن الفتوى هي التي تتغير. والحق أن الحكم الشرعي ثابت لا يتغير، والواقع هو الذي يتغير، وهذا يعني أن من شروط صحة الفتوى وجود تطابق بين الواقعة والحكم، فالحكم نزل معلقاً على واقع مشخص، فلا يصح أن ينزل الحكم إلا على الواقع المطابق له، لئلا يكون جموداً على المنقولات، الذي هو ضلال في الدين، كما قال الإمام القرافي، رحمه الله، فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحاً مستغنية عن النية، ويسمى هذا التنزيل «تحقيق المناط»، ويسمى كذلك «مراعاة محل النازلة» ويعرفونه بأنه النظر في الواقعة لمعرفة طبيعتها وسماتها وأوصافها لينزل الحكم عليها بتطابق تام مع الواقع المطابق له، ولهذا سماه بعض الفقهاء «الواقعات» لأن الفقيه يرقب الواقع، فتحقيق المناط -الذي هو تسعة أعشار النظر الفقهي كما قال الإمام الغزالي- اجتهاد لا ينقطع إلى قيام الساعة، لتجري أحكام الشريعة على نظام واحد تنتظم فيه الفروع بأصولها، أما تخريج الفروع بجزئيات المسائل، دون النظر إلى القواعد الكلية، كما يفعله بعض المنتسبين للفقه في عصرنا وفي العصور الماضية، فهذا جمود على المنقولات وهو منهي عنه، لأنه مفتاح باب الفوضى في الفتوى، وقد سمى العلماء من يجمد بالفقيه اليابس، فإذا وقع من الفقيه فتوى خالف هذا الضابط، فقد شاب هذا الدين بالشوائب، والحال أن الواجب عليه إزالة الشوائب بالرجوع للحق، فإزالة الشوائب هي التجديد الذي هو أصل في ديننا، فهي ترجع بالناس إلى هدي النبوة، فإن توهم أحد أنه قادر على تأسيس مذهب جديد، فقد تعلق بالسراب ورام وهماً، إن كان ذا عقل، فتأسيس مذهب لا يقوم به فرد، ولا اثنان ولا ثلاثة، وإنما يحصل بتعاضد جهود جمع من العلماء، خلال أزمنة متتابعة، فالعلم تراكمي، يبني الآخر على بناء الأول، فهذا هو التجديد المنشود، الذي يبقي للفقه نضارته وإشعاعه.

قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
استاذ تعليم عالي

اخر العناوين

⋇ كَأنّهَا الجَوْلة الأخيرَة
⋇ قرير خاص بمؤتمر حوار الأديان الذي انعقد في الدوحة يوم ٨-٧ مايو ٢٠٢٤
⋇ سيجعل لهم الرحمن ودّاً
⋇ فاستجاب لهم...
⋇ حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
⋇ فإني قريب
⋇ أجراس الخطر دقت !! فكم سيُدفن من شباب المسلمين ؟؟
⋇ آفة التملق السياسي المُدمّرة!
⋇ ظاهرة اتباع الجنائزللنساء
⋇ مرحباً بالعام الهجري الجديد 1445
⋇ بيان حَول واقِعَة حَرْق المُصْحَفِ الشّريف بمدينة ستوكهولم يوم عيد الأضحى الأربعاء 10 ذي الحجة لعام 1444 هجرية الموافق 28 يونيو 2023 م.
⋇ انقذوا الانسانية من الانسان
⋇ الأضحيةُ شعيرةٌ من شعائرِ الاسلامِ
⋇ مرض تجمد القلب
⋇ ابناء القلب الذرية الطيبة
⋇ تناحر الاخوة الاعداء والضحايا هم الابرياء
⋇ غريب القرآن في شعر العرب، الجزء التاسع والعشرون
⋇ عيد الفطر السعيد لعام 1444 هجرية
⋇ غريب القرآن في شعر العرب، الجزء السابع والعشرون
⋇ غريب القرآن في شعر العرب، الجزء الثامن والعشرون
⋇ غريب القرآن في شعر العرب، الجزء السادس والعشرون
⋇ طرُقُ إثباتِ خُروجِ شَهرِ رَمَضانَ
⋇ تحديد يوم العيد
⋇ غريب القرآن في شعر العرب، الجزء الخامس والعشرون
⋇ المكٌون والأكوان
⋇ المرأة القطرية في العيد
⋇ غريب القرآن في شعر العرب، الجزء الرابع والعشرون
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الثالث والعشرون
⋇ من روائع القصص أبو بصير زعيم جند الخفاء
⋇ محطات رمضانية المحطة الثانية والعشرون
⋇ من روائع القصص الحب في بيت النبوة
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الواحد والعشرون
⋇ محطات رمضانية المحطة الواحد والعشرون إعداد أيمن الشعبان
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الثاني والعشرون
⋇ سورة النصر وفتح مكة 20 رمضان
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء العشرون
⋇ هَلْ نَحْنُ بِحَاجَة إِلى مَذْهَبٍ جَدِيد؟ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء التاسع عشر
⋇ الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية ترد على الدعوة لإنشاء مذهب جديد
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الثامن عشر
⋇ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ رَضِي اَللَّهْ عَنْهُ
⋇ درَّة المفاخر في العشر الأواخر
⋇ معركة بدر الكبرى 17 رمضان
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء السابع عشر
⋇ من أشد الظلم الافتراء على الله..
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء السادس عشر
⋇ المسجد الأقصى الحقيقة الغائبة
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الخامس عشر
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الرابع عشر
⋇ كيمياء رمضان
⋇ غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الثالث عشر
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الثاني عشر
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الحادي عشر
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء العاشر
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء التاسع
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الثامن
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء السابع
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الخامس
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء السادس
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الرابع
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الثالث
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الثاني
⋇ غريب القرآن في شعر العرب الجزء الأول
⋇ غريب القرآن في شعر العرب
⋇ متى يجب الإمساك؟ وهل يجب قبل أذان الفجر؟
⋇ الوقت المُعتبر في الإمْساك (صلاة الفجر) في شهر رمضان
⋇ رَمَضَانُ شَهْرُ التَّوْبَةِ وَالْغُفْرَانِ
⋇ بيان حول ثبوت دخول هِلال شهر رمضان وخروجه لعام 1444 هجرية 2023 ميلادية
⋇ مسلم قضى نحبه موقوفا لدى الجهات الأمنية السويدية
⋇ اَلْيَوْمِ اَلْعَالَمِيِّ لِلْمَرْأَةِ
⋇ اليوم الرياضي واجب ديني ووطني وبيئي وصحي للقطريين
⋇ ملتقى بيت المقدس لائمة وواعظات أوروبا/ من 5 إلى 9 شباط/فرباير 2023
⋇ ملتقى بيت المقدس لأئمة وواعظات أوروبا في اسطنبول من 5 إلى 9 شباط/فبراير 2023
⋇ برقية مواساة وتضامن حول حادث المصاب الجلل بدولة تركيا وسوريا
⋇ تعزية وتضامن مع الشّعبين التركي والسّوري
⋇ حرق نسخ القرآن جريمة وقديمة
⋇ حرق وتدنيس القرآن الكريم
⋇ التطرف وجريمة الكراهية في المجتمع السويدي
⋇ رسالة مفتوحة إلى مُمَثلي السّلك الدّبلوماسي الإسلامي والعربي المعتمد لدى مملكة السويد
⋇ آفاق العمل المُؤسّسي / بناء عمَليات إدارية بناءَة
⋇ إشكالية فهم الآخر بين الغرب والإسلام
⋇ فوائد مواسم الطاعة
⋇ بيانٌ من المجلسِ السويديِّ للشؤونِ الدينيةِ حول أضحية عيد الأضحى
⋇ بِناء واعْمَار الأرْض بَيْن أيْدينا
⋇ صَون كرامة الإنسان وحقوقه
⋇ مائدة مُستديرة
⋇ الطفل ودين الفطرة
⋇ تلك الوصية النبوية الخطيرة!
⋇ جاذبية الرّوح لا تُشترى ، هي منحة الله لمن يستحقها!
⋇ حوار الأديان بين الواقع والأمل المنشود
⋇ مؤتمر الدوحة الرابع عشر لحوار الأديان
⋇ رسالة المُؤسّسات الدّينية في اﻟﻤُﺠﺘﻤﻊ السّويدي
⋇ المجلس السويدي للشؤون الدينية
⋇ توصيات المجلس السّويدي للشّؤون الدّينية
الجمعة 20 رجب 1439ه الموافق 6 ابريل/ نيسان 2018