غريب القرآن في شعر العرب ، الجزء الواحد والعشرون
المقدمة
" صِرّ"
سأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن معنى قول الله عز وجل: " ريحٍ فِيها صِرٌّ " وإذا كانت العرب تعرف ذلك ؟ فأجابه ابن عباس قائلاً: ريح فيها برد، وهي في شعر العرب أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يقول:
لا يبرمون إذا ما الأرض جلّلها ... صرّ الشّتاء من الإمحال كالأدم
وتفسيرها في اللغة : الصِرّ أصله من الشد، وهو البرد الذي يضرب كل شيء ويحسه، يقال أصاب النبت صر، إذا أصابه برد يضر به، والصر الريح الباردة، والإصرار: الثبات و العزم على شيء لا يهم بالقلوع عنه، وهو من السمو والارتفاع ، والصُرّة ما تعقد فيها الدراهم .
قال تعالى: ﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ﴾[آل عمران: 117] هذه الآية مَثل ضربه الله لبيان عاقبة نفقة الكفار الذين يُنفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، وعبدة الأصنام الذين ينفقونها قرابين لأصنامهم ليقربوهم إلى الله زلفى، بأنها تبطل وتضمحل، قال السعدي: "كمن زرع زرعاً يرجو نتيجته ويؤمل إدراك ريعه فبينما هو كذلك إذ أصابته ريح فيها صر، أي : برد شديد محرق ، فأهلكت زرعه، ولم يحصل له إلا التعب والعناء وزيادة الأسف "، انظر إلى بلاغة اللفظ القرآني "صِرّ" الذي انطوى على جزاء من جنس عملهم بدلالة اللغة ؛ فهي ريح باردة لها صرير صوتها مرتفع وقوية مهلكة، فيها إصرار على هلاك زرعهم كما يصرون على كفرهم والصد عن سبيل الله، وهي نذارة خفية عامة في نفقة الأموال لتكون في ما يرضي الله تعالى و نيل ثوابه ، والله أعلم .
الدكتورة ميادة عكاوي