محطات رمضانية المحطة الواحد والعشرون إعداد أيمن الشعبان
المقدمة
الحمد لله متم النعم، عظيم الجود والكرم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
حياكم الله أعزائنا المستمعين من جديد، وتذكرة جديدة ونفحة من نفحات هذا الشهر العظيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحطة الحادية والعشرون
ليلة القدر فرصة العمر
فرصة لا تقدر بثمن.. فرصة لا يوفق لاستثمارها إلا سعيد.. ولا يُحرم الخير فيها إلا شقي عنيد.. من عرف حقيقتها سارع وبادر وبذل المزيد.. ومن أهملها نام وتكاسل ونَدِم الندم الشديد.. ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )..
نعم إنها فرصة العمر.. فاغتنمها يا رعاك الله في ساعات ليلة القدر.. فهي من أعظم المنن وأكبر النعم وأجلّ المنح.. كيف لا وهي " خير من ألف شهر " في الطاعة والعبادة والأجر.. ليلة شريفة القدر.. نزل فيها كتاب ذو قدر.. وتتنزل فيها رحمات ذات قدر.. وملائكة ذوو قدر..
كيف لا تكون فرصة ثمينة عظيمة والأجر فيها خير وأعظم وأفضل وأكثر من ألف شهر، وهذا يحتاج منا لكبير تأمل وتمعن، والله إنها رحمة ونعمة عظيمة ومنة لا توازيها منة، فلو كان الأجر يعادل عبادة ألف شهر لكن خيرا وفيرا، فكيف وهو " خير من ألف شهر" هل استشعرتم تلك الرحمات والبركات؟
يقول السعدي في تفسير قوله ( ليلة القدر خير من ألف شهر): أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
تخيل طيلة عمرك الخمسين أو الستين أو السبعين سنة، كم ركعة صليت؟ وكم فريضة أديت؟ وكم نافلة فعلت؟ وكم درهم ودينار أنفقت وتصدقت؟ وغيرها من الدعاء والثناء وحسن الالتجاء لرب الأرض والسماء؟
هل أنت من القانتين الصادقين الخاشعين المستغفرين بالأسحار؟ أم أنك من المقصرين المفرطين المضيعين أوقاتهم بالليل والنهار؟ أيا ما تكون فأمامك فرصة قد يحول الموت بينك وبينها مرة أخرى!! فنحن على موعد مع ليلة مباركة، خيرها كثير وفضلها منقطع النظير، فأين المشمرون والتجار الحقيقيون؟! ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
ليلة لِعِظم منزلتها أنزل الله سبحانه فيها القرآن العظيم، أفلا تكون فرصة العمر؟ ليلة تكون الملائكة فيها أكثر من عدد الحصى" كما ثبت في الحديث الصحيح. السلسة الصحيحة برقم 2205.
وهذا يدل على كثرة البركة والخير والرحمة فيها، لأن الملائكة تتنزل عند تلاوة القرآن ويضعون أجنحتهم لطالب العلم رضا بما يصنع.
تأمل أخي الحبيب ضعفنا وقلة حيلتنا، مهما بذلنا وتقربنا إلى الله بمختلف الطاعات والعبادات، فلن نصل إلى لحظات نؤدي فيها مختلف القربات في تلك الساعات المباركات، فركعة فيها تعدل أجر ركعات طيلة ألف شهر، ودرهم تتصدق به على مسكين كأنك تصدقت بدراهم متواصلة دون انقطاع طيلة ألف شهر، وهكذا التسبيح والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن، وإطعام الطعام وهكذا سائر الصالحات.
تخيلوا لو أن متجرا كبيرا مشهورا عمل عرضا على سلعة قيمتها ( عشرة دنانير )، والعرض ساري خلال العشر الأواخر من رمضان على أن يتوافق الشراء مع ساعات معينة في ليلة محددة يعرفها صاحب المتجر فقط، فمن يشتري هذه السلعة يعطى 1000 قطعة إضافية، فكيف سيكون حال الناس وإقبالهم على هذا المتجر وهذه السلعة طيلة العشر ألم يحصل رباط وتحمل وطول انتظار؟!
هذا المثل في فائدة دنيوية متحققة الربح والمنفعة، فكيف بسويعات لعرض مغري جدا وفرصة لن تعوض فيها تجارة لن تبور من خيري الدنيا والآخرة، فهل من مشمر؟!
اللهم اجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر، فأجزلت له المثوبة والأجر، وغفرت له الزلل والوزر.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا..وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..