محطات رمضانية المحطة الثانية والعشرون
المقدمة
الحمد لله جليل النعم، باعث الهمم، ذي الجود والكرم ثم الصلاة والسلام التامان الأكملان على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
المحطة الثانية والعشرون
رمضان شهر الجود والبذل
رمضان شهر الجود والعطاء، والبذل والإنفاق والسخاء، إذ يتسارع فيه أهل الخير ويتسابقون في النفقات والصدقات والزكوات، متأسين بنبي الرحمة والكرم عليه الصلاة والسلام.
يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرَسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة. متفق عليه.
الصدقة في هذا الشهر شأنها عظيم وأجرها جزيل لشرف الزمان، وإعانة للمحتاجين بقضاء حوائجهم من تنفيس الكربات وتفريج الهموم وإدخال السرور وقضاء الديون وإشباع الجوعى.قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق والصيام يوصله إلى باب الملك والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك.لطائف المعارف ص167.
قال الحسن البصري رحمه الله: بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود.
إن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا والعتق من النار وتحصيل الأجور، قال ابن أبي الجعد: إن الصدقة لتدفع سبعين بابا من السوء. ومن روائع الصدقة، كان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، والله يعلم أني أحب السكر. وقيل لحكيم: أيُّ فعلٍ للبَشَر أشبه بفعل الباري تعالى، فقال: الجُود.
اعلم حفظك الله أن الصدقة والإنفاق في سبيل الله أسهل طريق للسعادة وأقصر طريق للجنة، فإن لم تبادر في هذا الشهر فمتى؟! واعلم أنه لم تُستجلب نِعمُ الله قط وإكرامه بمثل الجود وإكرام الخلق. يقول ربنا سبحانه وتعالى ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) المنافقون:10. قال الإمام الشافعي: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغُل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم. وقال جعفر بن محمَّد الصَّادق: إنَّ لله وجوهًا مِن خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجُود مجدًا، والإفضال مغنمًا، والله يحبُّ مكارم الأخلاق.
واعلموا حفظكم الله: أن الكرم والجود والبذل بركة للمال، أخرج البخاري ومسلمٌ عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً. قال علي رضي الله عنه: إذا أقبلت عليك الدنيا, فأنفق منها, فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك, فأنفق, فإنها لا تبقى، وأنشد يقول:
لا تبخلن بدنيا، وهي مقبلة * فليس ينقصها التبذير والسرف
وإن تولت فأحرى أن تجود بها * فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف
اللهم اجعلنا من المُنفقين في سبيلك الباذلين ابتغاء مرضاتك.