من روائع القصص أبو بصير زعيم جند الخفاء
المقدمة
الدكتورة ميرفت إبراهيم
MervatQa@
mervat_ibrhaim
هو عتبة بن أسيد بن جارية، وهو صحابي ممن أسلموا في مكة في السنة السادسة بعد الهجرة وسجنه المشركون وعذبوه، وبعد صلح الحديبية، الذي كان من أحد شروطه أن من أتى محمدًا من مكة من عند المشركين رده إليهم, ومن أتى المشركين من عند محمد لم يردوه إليه...
وبعد عقد الصلح انتهز الفرصة وهرب من سجنه إلى المدينة ماشيًا ومهرولًا على قدميه اللتين احترقتا من حرارة الرمال، ووصل المدينة ودخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُنهك القوى، يلتقط أنفاسه وعليه آثار العذاب، وقال يارسول الله جئتك هاربًا بديني، وبينما هو في المسجد دخل المسجد اثنان من قريش والسيوف في أيديهما، وقالوا يامحمد رده إلينا بالعهد الذي عقدناه معك، وهو أن من جاءك مسلمًا من مكة ترده إلى قريش، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم، يا أبا بصير إن بيننا وبين القوم عهدًا، وقد صالحناهم على ماقد علمت، وإنَّا لانغدر، عُد إلى مكة وسيجعل الله لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، قال أبو بصير يارسول الله إن تردّني يفتنوني في ديني، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اصبر واحتسب وسينصرك الله أنت ومن معك من المستضعفين من المؤمنين ودعا له، وسلمه للرجلين، اللذين خرجا به من المسجد وعادا إلى مكة، وفي الطريق، ولما جاوزوا المدينة وجلسوا إلى الطعام ذهب أحدهم ليقضي حاجته، وبقي الآخر حارسًا على أبي بصير، يسخر منه ويستهزئ به، ويهز سيفه فوق رأسه ويقول، لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج ولقد جربته، فقال له أبو بصير إني لأرى سيفك جيدًا فأرني إياه، والتقطه منه، وهوى به عليه وأطار رقبته، ولما عاد صاحبه من قضاء حاجته، ورأى صاحبه مجندلًا وقد قطعت رقبته والدم يسيل منه, أصابه الفزع وهرب وعاد إلى المدينة ودخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا، قال لقد رأى هذا فزعًا، وقال الرجل وهو يرتعد يامحمد لقد قتل صاحبكم صاحبي وإني لمقتول لا محالة، وبينما هو مازال لم يكمل حديثه دخل أبو بصير المسجد وسيفه في يده يقطر دمًا، وعيناه يخرج منها الشرر، وقال يارسول الله لقد أوفيت ذمتك ولم تخن عهدك، وقد سلّمتني للقوم وأنجاني الله منهم، فقال الرسول صلي الله عليه وسلم: ويلَ أمّه إنه لمسعر حرب لو كان معه رجال، وأمر أبا بصير بالخروج من المدينة فسمع وأطاع، وخرج من المدينة واستقر في مكان مابين مكة والمدينة يسمى العيص، واستقر فيها، والتحق به العديد ممن هم مثله من المستضعفين الذين لم يمكنهم الالتحاق بالرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو مفاوض قريش في صلح الحديبية، وتكونت جماعة من المؤمنين بلغ عددها بين الستين والسبعين، وقاموا بقطع طريق قوافل قريش وتجارتها، وقتلوا كل من يقع تحت أيديهم من المشركين، ولما غُلبت قريش على أمرها، أرسلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واستغاثت به، وطلبت منه بحق الأرحام أن يأخذهم عنده في المدينة، وأن لايرد أحدًا يأتيه من مكة هاربًا بدينه، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بذلك إلى أبي بصير فوصله الكتاب وهو يُحتضر ومات وهو يقرؤه والكتاب في يده، فصلى عليه أبو جندل، هو ومن معه ودفنه ودفن الكتاب معه في قبره، وهكذا ينصر الله المؤمنين إذا صبروا، اللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين.