غريب القرآن في شعر العرب، الجزء الخامس والعشرون
المقدمة
"يتسنّه"
سأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن معنى قول الله عز وجل في القرآن الكريم : " وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ " وهل تعرف العرب ذلك؟ فأجابه ابن عباس قائلاً : لم تغيره السنون عن حاله، لأنه كان وضع في دن العصير ليبل به الخبز، فأماته الله مائة عام . وهي في شِعر العرب أما سمعت الشاعر وهو يقول:
طاب منه الطعم والريح معاً ... لن تراه يتغيّر من أسن
ومن تفسيرها في اللغة : يتسنه : أصله واحد يدل على زمان، فالسنة معروفة، ألا ترى أنك تقول سُنيهة، ويقال سنهت النخلة، إذا أتت عليها الأعوام، " وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ "، أي لم يصر كالشيء الذي تأتي عليه السنون فتغيره، تَسنّه الطعام أو الشراب: تغير، تعفن، فسد. قال تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾[البقرة: 259] سيقت الآية لإثبات الحجة على منكري البعث بالدليل المحسوس على أنه سبحانه وحده الذي يحيي ويميت؛ فهذا الذي تعجب من القرية المهجورة كيف يحيها الله، أماته الله مئة عام ثم بعثه وسأله كم لبثت قال يوم أو بعض يوم، وكانت الحجة عليه من نفسه فطعامه وشرابه لم يفسد على مر السنين، ورأى بنفسه قدرة الله على إحياء الموتى لما أحيا حماره الذي تحلل أمام عينيه فكان عبرة لكل مُنكر، انظر إلى سر وجمال اللفظ القرآني "يَتَسنه" الذي انطوى على إعجاز بياني علمي غيبي، فهو يفيد في اللغة الزمن؛ فأثبت الله سبحانه وتعالى تفرده بمقاييس الزمن التي تفوق مقاييس البشر، لنؤمن بالغيب وحقيقة البعث؛ فهذا الذي مات مئة سنة بالعدد المحسوس لدينا، كانت المئة سنة بالنسبة لطعامه وشرابه كالعشية أو ضحاها بدليل حسي أنه لم يفسد ولم يتعفن، فزمن الحياة الدنيا كذلك مهما طال على عاديه فإن الميت عند بعثه يقول إن لبث إلا عشية أو ضحاها؛ فلا نغتر بالحياة الدنيا فزمنها محدود ولنستعد للبعث والحياة الأبدية بزمانها الخالد .
الدكتورة ميادة عكاوي