غريب القرآن في شعر العرب، الجزء السادس والعشرون
المقدمة
" إناه "
سأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن معنى قول الله عز وجل في القرآن الكريم : " إِناهُ " وهل تعرف العرب ذلك؟ فأجابه ابن عباس قائلاً: الأنا: النضج، يعني إذا أدرك الطعام، وذلك أن أمراء المؤمنين كانوا يدخلون بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فيحدثون قبل أن يدرك الطعام ويكلمون نساءه، وذلك قبل الحجاب، فشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ . وهي في شِعر العرب أما سمعت الشاعر وهو يقول:
يُفعم ذاك الأنا العبيط كما ... يفعم عزب المجالة الجمل
ومن تفسيرها في اللغة: أنى الشيء يأني أنياً إذا تأخر عن وقته، والأنى: من الأناة والتؤدة ، أنى الأمر: حان وقته، دنا وقرب، أنى الرجل: أبطأ، تمهل، ترفق، أنى الطعام: نضج، أنى السائل: بلغ غاية الحرارة، وأصله في اللغة البطء وما أشبهه من الحِلم وغيره، وساعة من الزمان، وإدراك الشيء. قال تعالى: ﴿ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾[الأحزاب:53] انطوت الآية على أدب جم وذوق رفيع في إجابة الدعوة والاستئذان ومراعاة آداب الحضور في الموعد واحترام وقت وحشمة أهل البيت، نزلت في قوم زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أدب عام لكل من يفعل فعلهم في المستقبل، جمعها لفظ قرآني رفيع بليغ"إناه" فأصله في اللغة البطء والزمن والتأخرعن الوقت ونضج الطعام، وهذا وصف حال القوم الذين لم يراعوا آداب الدعوة، بينما كان اللفظ "إناه" يصف أدب وتؤدة وحِلم النبي صلى الله عليه وسلم الذي استحى أن يخبرهم بأنه استثقل انتظارهم الطويل، فتأمل رقة وجمال اللفظ القرآني.
الدكتورة ميادة عكاوي