تحديد يوم العيد
المقدمة
بيان في إظهار العلة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
يستلزم من المسلم الإنصات والمتابعة لتحقيق صحة العبادة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحساب الفلكي للأستأناس لا يترتب عليه حكم شرعي، فهو غير ملزم كونه أمر ظن لا يعتد به شرعا ََ. قاعدة : "لا اجتهاد في مورد النص".
لذا يستلزم من المسلم أن يتابع شرع الله تعالى وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في تحديد يوم الصيام ويوم الفطر والذي هو أول أيام شوال ( يوم عيد الفطر ) . قال النبي صلى الله عليه وسلم :( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مصدر التشريع الرباني الصحيح وآية من آيات الله تعالى كونه حكم شرعي واجب ، والقاعدة : "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما": " إذا وجدت العلة أو السبب ثبت الحكم بها، فإذا زالت العلة أو السبب ، زال الحكم بزوالها ، وانتهى بانتهائها ؛ لأن الحكم يدور مع علته وسببه وجوداً وعدماً". والعلة في مصدر التشريع في حديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..) العلة: الرؤية الشرعية بالعين المجردة بخصوص تحديد يوم عيد الفطر والذي هو أول يوم من شوال يحدد برؤية الهلال بالعين المجردة أو بوسيلة تساعد النظر على تحري رؤية الهلال كالمظار أو ما يسمى بالدربيل أو الارتقاء على مرتفع من الأرض وعلى المسلمين في كل مكان أن يفطروا إذا أعلنت أي دولة إسلامية رؤية الهلال وكانوا يشتركوا معهم بليل.
مثال : على المسلمين في دولة أفغانستان أن يفطروا إذا أعلنت دولة موريتانيا رؤية الهلال وأعلنت تحديد أول يوم من شوال ؛ وهذا ينطبق على الدول الأوربية كذلك كونها تشترك مع موريتانيا بليل ؛ عملا بمقتضى السنة الصحيحة.
* - يرى جمهور الفقهاء أنه لا عبرة باختلاف المطالع، فاذا ثبتت رؤية الهلال فى أى بلد اسلامى ثبتت فى حق جميع المسلمين، على اختلاف اقطارهم، متى بلغهم ثبوته بطريق صحيح .[ أما مسألة اختلاف المطالع فإنه أمر نسبي ويراعى على أنه معتبر من بعض فقهاء الأُمة فإن وجد يراجع به أهل العلم لحسم المسألة حسب الشرع لرفع الحرج عن الأمة] .
** - متى تحققت رؤية هلال رمضان فى بلد من البلاد الإسلامية فانه يجب الصوم على جميع المسلمين الذين تشترك بلادهم مع البلد الإسلامى الذى ثبتت فيه الرؤية فى جزء من الليل، ما لم يقم ما يناهض هذه الرؤية ويشكك فى صحتها امتثالا لقوله تعالى:{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه }والحديث الشريف (صموا لرؤيته ) ولا يشترط متابعة بلاد الحرمين في تحديد أول يوم من شوال .
ولكن العادة جرت وهذا خلاف الإجماع .ولا يجوز الأخذ بما يصدر من أقوال بما يسمى الحساب الفلكي ؛ لدى أهل العلم قاعدة، وهي : "لا اجتهاد في مورد النص"، وقد ورد النص القرآني ونصت السُّنة ، و قد عُرِض على النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ذلك من قبل العارفين بحركة الافلاك والحساب ، ولم يوافق عليهِ ، عليه السلام ، بل جاء في الحديث ما يبطل الحساب الفلكي في تحديد أوقات العبادات ومنها تحديد أول يوم من رمضان وأول يوم شوال. قال عليه الصلاة والسلام ، لمن جاء يُحاجّه بالحساب الفلكي ؛
( إنا أُمَّةٌ أمية لا نكتب ولا نحسب ) [مسلم ]. وشاهد الحديث الرد على من جاء بالحساب الفلكي لتحديد عبادة من العبادات، وليس المقصود نحن أمة أمية جاهلة لا تقرأ ولا تحسب على العموم بل لرفع الحرج عن من لا يعرف بالحساب من الأمة وهذا واضح من الحديث وعلامات العلم في الأمة الإسلامية واضحة ، وكذلك القصد من حديث الرسول إنه في الأمور التعبدية لدينا أحكام ربانية واجب اتباعها، وأمر الصيام والإفطار يترتب عليه الحكم بوجود العلة وهي الرؤية الشرعية للهلال بالعين المجردة بوجود شاهد للصوم أو شاهدين في الإفطار للخروج من عبادة الصيام ، والتي هي عبادة اوجبها الله تعالى ، والعبادة وقبولها لا تتحق إلا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لقبول العمل، كما قال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف / 110 .
قال ابن القيم رحمه الله :" فهذا هو العمل المقبول الذي لا يقبل الله من الأعمال سواه ، وهو أن يكون موافقا لسنة رسول الله مرادا به وجه الله " .
والأمر المهم والمتعلق بعبادة الصيام بخصوص الدخول فيه والخروج منه فهو عقد النية بالرؤية الشرعية للهلال .
والعبادات لا تصح إلا بنية قال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنما الأعمال بالنيات.. ) وعليه للصوم نية والإفطار له نية متى ما تحققت وكانت متابعة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان العمل موافق لفعله صلى الله عليه وسلم، أصبحت العبادة صحيحة. فيستلزم عقد النية للصوم برؤية الهلال، لتصح العبادة فيه، وكذلك نية الإفطار برؤية الهلال لتصح عبادة الفطر والخروج من رمضان .
أما ما قرره أهل الحساب الفلكي في تحديد أول يوم من رمضان واول يوم من شوال ( يوم العيد ) فهذا اجتهاد نص مقابل ظن، فلا يعتد به ذلك أنه اجمع العلماء إن رؤيا العين منصوص عليها بالكتاب والسنة وعمل بها السلف ، والرؤية بالحساب الفلكي هي عند أهل الرأي والقياس . وعليه لا يجوز شرعا الصيام والفطر على الحساب الفلكي . وبوجود نص شرعي لا يمكن تعديه إلا بحكم شرعي .
وعليه وجب عقد نية الصيام ونية الإفطار بنية الرؤية الشرعية للهلال. ذلك أن النية شرط في ترتيب الثواب عليه، والنية شرط في صحة المأمورات وشرط لترتيب الثواب في المتروكات كل من جاء بأقوال خلاف علماء الشرع الربانين وخالفوا وتركوا حديث وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فحالهم أشبه بالذي عقر الناقة، وهي آية من آيات الله تعالى، فنقول لمن تصدّر الإعلام وحب الشهرة لا تعقروا آية الفطر من رمضان المبارك ، بأقوال وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تلزموا الناس ما لا طاقة لهم به، واحفظوا حدود الله تعالى ، وتابعوا رسوله صلى الله عليه وسلم في العبادات والمعاملات، ولا تخوضوا في آيات الله تعالى بغير علم، واعلموا من ألزم الناس بعباده خلاف أمر الله فقد ارتكب جرم وأثم من أعظم الأثام بل أعظم من الشرك بالله تعالى ، وهو القول بغير علم أي : بلا عقل صحيح ، ولا نقل صحيح صريح ، بل بمجرد الرأي والهوى .
قال ابن القيم- رحمه الله في كتابه[ إعلام الموقعين عن رب العالمين ] . قد حرم الله سبحانه وتعالى القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها ، فقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } فرتب المحرمات أربع مراتب ، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم ، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه ، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه. فتأمل حجم الإثم والعدوان لمن ارتكب قول وفعل خلاف أمر الله تعالى بل وساعد على نشره ورغب في المخالفة لغرض في نفسه.
ولا خلاف يؤدي إلى جدال لا فائدة فيه مع من قال بالاستأناس وصرح بالظن وعدم الجزم من علماء الحساب والفلك في تحديد يوم الصيام ويوم الفطر ،حسب علمهم الظني الذي تعلموه فذلك علم خاص بأهله، ولا يستلزم من المسلمين متابعته إلا من باب الاستأناس به.
بل يستلزم من المسلم الوقوف ومتابعة الكتاب والسنة وإجماع السلف ، لتحقيق العبادة صحيحة يرجوا بها القبول عند الله- جل وعلا -
احفظوا حدود الله يحفظكم واشكروه على نعمه يزدكم وأحسنوا يوفقكم لكل خير وبينوا للناس دينهم وتعاونوا على البر والتقوى يرحمكم الله .
كتب: محمد الأحمد ابو يوسف المشهداني
عضو المركز الدولي للدعوة والعلوم الإسلامية- فنلندا
رئيس جمعية الصحابة
رمضان 1444
المصدر : مطالعة في بيان القول الفصل لاحكام الصلاة والصيام في الشمال الأوربي. الداعية
محمد الأحمد ابو يوسف المشهداني .
*فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
أبحاث هيئة كبار العلماء : ٤/ ٤٣٣ . ** مؤتمر مكة.
أ.د الشيخ عبد الملك عبد الرحمن السعدي ، مجلة البحوث الإسلامية .
مجموع فتاوى ابن باز :١٥/٢٩٢ ، مجموع فتاوى ابن عثيمين ١٩/ ٣٢٠ و ٣٢٥ ، لقاء الباب المفتوح رقم( ٢٠٤) مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: عدد (٣)
الموسوعة الفقهية الكويتية : ٢٨/ ٧٩ .
تاريخ إصدار البيان : 25 رمضان 1444 .