غريب القرآن في شعر العرب، الجزء الثامن والعشرون
المقدمة
" متربة "
سأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن معنى قول الله عز وجل في القرآن الكريم : " أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ " وهل تعرف العرب ذلك؟
فأجابه ابن عباس قائلاً: ذا حاجة وجهد.
وهي في شِعر العرب، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
تربت يداك ثمّ قلّ نوالها ... وترفّعت عنك السّماء سجالها
ومن تفسيرها في اللغة: مَتْرَبة [مفرد]جمعه مَتارِبُ، وهو مصدر ميميّ من ترِبَ، وتعني الفقر الشديد والمَسْكنة؛ لكثرة عيال أو غلبة دَيْن أو سوء معيشة، وأصلها في اللغة من التراب وما يشتق منه، ويقال ترب الرجل إذا افتقر كأنه لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، كأنه صار له من المال بقدر التراب، والترباء الأرض نفسها، ويقال ريح تربة إذا جاءت بالتراب. ال تعالى : ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾[البلد: 16] وصف بليغ لأحد مصارف المال في القربات والطاعات المنجية والمعينة على تكفير الذنوب واقتحام العقبة التي هي مَثل ضربه الله لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر، مسوقة مساق الحض والتوبيخ لمن أنفق وأهلَك ماله في الباطل فهلك، وانظر لدقة اللفظ "متربة" التي انطوت على وصف بليغ للمنفق والمسكين بدلالة اللغة؛ فيقال أترب الرجل إذا استغنى وكثر ماله وصار كالتراب فوجبت عليه النفقة، ويقال ترِب الرجل إذا افتقر ولشدة فقره وضُره كأنه التصق بالتراب وتمرغ فيه من العري والحاجة فيستحي أن يخرج للناس ويسألهم وهو المسكين التي وجبت له النفقة؛ فالله الله بهذه الفئة المغمورة من الناس وحسبك أنها كعتق الرقبة ومن أعظم القربات المكفرات المنجيات، واعلم أن حفظ النفس من الضروريات الخمس، وحفظها بمنحها الحرية التي هي العتق ومنحها الحياة بالإطعام الذي هو السبب الرئيس لبقاء الحياة .
الدكتورة ميادة عكاوي