كَأنّهَا الجَوْلة الأخيرَة
المقدمة
بقلم د * أدهم الشرقاوي *
تأتي المعجزة ! القرآن الكريم يُعلَّمنا حقيقة ثابتة وهي أنَّ صراع النفوذِ يختلفُ عن صراع العقيدة ! في صراع النفوذ يذرُ اللهُ النَّاسَ لما بين أيديهم من الأسباب وموازين القوى ، فمن ملكَ أقواها غلبَ ! أمّا في صراع العقيدة ، فلا يلزمُ أبداً أن تتكافأ القوى ، ولا أن تتقابل موازين الأسباب ! كل الطغاة الذين أخذهم الله أخذ عزيز مقتدرٍ إنما أخذهم وهم في قوّة جبروتهم !
✅ حين أهلكَ اللهُ *(فرعون)* لم يهلكه بتغيير موازين القوى ، وإنما أهلكه وهو يقول : *( أنا ربكم الأعلى )*!
أخذه وهو في أوج قوّته ، على رأسِ جيشه المدجج !
✅ وحين أهلكَ اللهُ *(النمرود)* لم يهلكه في لحظة ضعفٍ ، وإنما أهلكه وهو في قمّة غطرسته ، يُنادي في النَّاس : *( أنا أُحيي وأميتُ )*!
✅ وحين أهلكَ اللهُ *(عاداً)*، لم يهلكها بتغيير الأسباب ، وإنقلاب الموازين ، وإنما أهلكهم وهم يقولون : *( من أشدُّ منّا قوَّة )*!
✅ وحين أهلكَ اللهُ *(ثمود)*، فإنما أهلكهم وهم ما زالوا يجوبون الصَّخر بالواد !
✅ وحين شتَّتَ اللهُ شمل *(الأحزاب)* يوم الخندق ، كانت الأرض قد ضاقتْ على المومنين بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر !
حين بدأتِ الحربُ على غزَّة كنتُ أعتقدُ أنها جولة من جولات الحرب ، ستنتهي كما إنتهتْ كلّ الجولات التي قبلها ، أما الآن فشيءٌ ما في داخلي يقول إنها الجولة الأخيرة ! وإنها لن تبقى على الشكل الذي هي عليه الآن ! ستأتي ريح الأحزاب بإذن الله ، ورياح اللهِ لها ألف شكلٍ وهيئة ، *( وما يعلمُ جنود ربّك إلا هو ! )* وحتى إن إنتهت كما إنتهتْ الجولات السّابقة ، فستكون قد بدأت من حيث إنتهتْ !ولكن الشيء المؤكد أنَّ هذه الحربُ خرجتْ منذ زمنٍ من أيدينا وأيديهم ، ويدُ اللهِ تُسيِّرها ! لستُ ضدَّ العقلانيّة ، وحساب الأسباب ، والنظر إلى الواقع ! ولكن العقلانيّة ترفضُ كلَّ هذا الصمود ، كلُّ ما يحدثُ هو ضدُّ العقل أساساً ! والأسباب لا تُنتج كلّ هذا الثبات ! والواقع يقول إن دولاً عظمى كانت لتنهار تحت كل هذا القصف والعدوان ‼️ فكيف يصمد قطاع هو أصغر مساحةً من كلِّ عواصمنا ؟! والأدهى من ذلك أنه بجغرافيته المسطحة بلا جبال ولا وديانٍ ولا غابات هو منطقة ساقطة عسكرياً ؛ عند أول هجوم من هذه الترسانة المهولة التي تملك البحر والجو واليابسة ! وبالنظر إلى أنَّ حروب إسرائيل السابقة مع جيوشنا كانت تنتهي بساعات ، فالحديث عن الواقعيَّة يبدو إيماناً !
لا يوجد محتلٌ بقيَ على إحتلاله، هذه حقيقة ثابتة لا يستطيع أحد تكذيبها ، بغض النظر عن عقيدة أصحاب الأرض ! كل إحتلالٍ زال هكذا يخبرنا التاريخ ، وكل الغزاة رحلوا نهاية المطاف ، وهذا الاحتلال زائل طال الوقت أم قَصُرَ ، وعسى أن يكون قريباً !